رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سيارات البرلمان الباهظة تثير غضب المواطنين

سرية موازنة المجلس وإخفاء الحقائق.. إجراء غير دستورى

استخدام مصطلح «الأمن القومى» فى كافة الشئون.. أمر غريب

مجلس النواب يجب أن يكون مؤسسة ديمقراطية تقبل النقد والمراقبة

لا شك أن هناك شعوراً عاماً بعدم الرضا عن أداء مجلس النواب.. وسواء كان ذلك انطباعاً أم واقعاً موضوعياً الا أنه هناك فى الآونة الأخيرة غضب لا يخفى على أحد حول ما أذيع عن شراء مجلس النواب سيارات مصفحة بأسعار باهظة.. هذا الموضوع خلق استياء من عدم مراعاة المجلس لمحنة المواطنين فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.. وهناك قائمة أخرى من الأسباب التى قد تبعث على عدم الرضا عن أداء المجلس وبُعده عن أداء الدور الرقابى المنوط به.. وقد تولد شعور عام بأن الحكومة أصبحت المسيّرة للأمور فى المجلس.. وانا أُعزى ذلك لسوء الإخراج السياسى داخل المجلس وتخليه عن التقاليد البرلمانية المعتادة.. والغريب أن المجالس السابقة للثورة فيما عدا الأخير نجحت فى خلق توازن سياسي تمثل فى إبراز هل وجود المعارضة الحقيقية وإن كانت بمساحات متفاوتة.. وتقديمه لأداء مقنع بممارسة المجلس النيابى عن الشعب لدوره.

لقد تابعت تعليقات السيد رئيس مجلس النواب على ما جاء على لسان الصحف فى موضوع هذه السيارات وكيف حمّلت ميزانية الدولة مبالغ باهظة، وبعيدا عن مناقشة هذا القرار ومضمونه وحقيقته، فقد فاجأنا رئيس المجلس برده المثير والذى لا يمكن ان يكون دفاعا موقرا من رئيس مجلس النواب لأنه وقع فى خطأ فادح عندما أدار الدفة إلى الهجوم على من قاموا بتسريب المعلومات.. لقد استثارنى واستثار الكثيرين ما تحدث عنه السيد رئيس المجلس من أن تسريب تلك المعلومات هى جريمة أمن قومى.. وهذا ما نختلف عليه.. فقد اُنتخبتم سيادة رئيس المجلس ومن معك من النواب وكلاء عن الشعب فى مراقبة الحكومة، ووضع القوانين، ومقاومة الانحراف ضمانا لحقوق الشعب وتحقيقا لمصالحه وأمنه، وكذا وكلاء فى حماية الممارسة الديموقراطية لأعضاء المجلس.. هذا التوكيل لا يعنى أن الشعب فقد سلطته وحقه فى النحو الذى يكون عليه ممارسة هذه الحقوق، ولا يعنى تنازله عن الشفافية، ولا يعنى أيضا أنك مُنحت توكيلا غير قابل للمناقشة من قِبَل الأصيل وهو الشعب الذى وُكِلْتُم عنه.. وبالرغم من اننى لست خبيرا دستوريا الا أن المنطق يقول إن أى قانون يضع سرية على موازنة المجلس ويشجع إخفاء الحقائق عن الشعب غير دستورى..

الناس تتساءل هل تغير دور مجلس النواب الرقابى فى أنه وكيل للشعب فى الرقابة والمتابعة والتشريع ورعاية مصالحه؟ وهل سيتخلى مجلس النواب عن هذا الدور ليكون دوره السلطة المطلقة الذى لا تقبل المناقشة وتخفى المعلومات تحت مسمى الأمن القومي؟ الناس مثقفون وعامة غير راضين عن تلك المجريات وهذا هو عين القصيد إذا كان الأمر حقيقة هو العمل على إرساء مفاهيم استقرار الأمن القومى، ولكن عندما يغضب السيد رئيس المجلس من أى نقد أو رأى مخالف ويرد بردود قاسية تخرج أحيانا عن التقاليد النيابية المعهودة بل وتمتد إلى الوعيد والتهديد وكأنه هو الشعب والسلطة الأوحد فى نفس الوقت فهو شىء يبعدك عن الأداء السياسى القويم وبالتأكيد هو فهم خاطئ أو تناسٍ لكل من الدور المنوط بالمنصة، والعصر الذى نعيشه، وأولاً وأخيراً لما يستحقه الشعب المصرى.. فهذه المنصة العظيمة والجلوس عليها تذكر دائما بأن الشعب وليس غيره هو القاسم المشترك الأعظم لحركة المجلس وسكناته.. وإذا غاب عن المنصة الدور الرقابى وحتمية اظهاره بشفافية أمام الشعب فهو أيضا خطأ ليس فقط فى الممارسة ولكن فى تأدية الواجب.. وإذا كان مجلس النواب قد حظى الآن بوضع جديد يضعه فوق المراقبة والمحاسبة فهو أمر لن يرتضيه الشعب.. وأنبه هنا إلى أن المجلس يجب أن يكون مثالاً للمؤسسة الديموقراطية التى تقبل النقد بل وتفتح الباب للمزيد والبنّاء منه.. وإن كان التشريع قد أتاح ثغرة تفيد بأنه فوق المساءلة أو فوق المراقبة فهذا مناف لروح الدستور لأنه يغفل الركن الحصين فى أن المجلس هو «الوكيل» فقط بينما الشعب هو «الأصيل».. ولمن أعطى الوكالة له أن يضع الشروط التى تمكنه من قوة الرقابة حماية لمصالحه.. حتى وإن كانت هذه الشروط غير مكتوبة فهى محفورة فى تراث الممارسة البرلمانية لهذا الشعب عبر التاريخ.

إن استخدام جملة «الأمن القومي» بصفة معممة فى كل موقع أصبح شأنًا غريبًا يذكرنا «بالفزاعات» و«الذرائع» و«التصيّد» لإجراءات تعسفية لأزمنة سابقة.. وكذا فهو أمر لا يمت للنظام الديمقراطى بصلة لأنه يفرغها من أحد أهم محتواها وهو أسلوب الشفافية فينقلها إلى سياسة التعتيم.. نعم هناك بالتأكيد أمور تعد أمناً قومياً نتفهمها ولها كل الحرص على عدم تسربها، ويتفق الجميع على الأمن القومى عندما نتحدث مثلاً عن قواتنا المسلحة وتسليحها ومطاراتها وخططها وأفرادها.. نعم هذا بالتأكيد أمن قومى والالتزام الوطنى يحتم الحفاظ على سريته.. ولكن عندما تكون مراقبة مجلس الشعب ومراقبة الحكومة «أمناً قومياً» لا يُمس ولا يُساءل فعلى الدولة السلام.. لأنك دون أن تتنبه تنقلنا من الديمقراطية التى لم يأت مجلس النواب إلا مكملاً لها- وإن كان المقصود هنا يتعدى التواجد الهيكلى ليرسخ التواجد الوظيفى والمهامى والتأثيرى من خلال الممارسات الديمقراطية والشفافية- تنقلنا من الديمقراطية إلى السرية والتعتيم التى ترجع بنا للخلف..

إن إحدى مشكلات مصر فى مواقع متعددة هى غياب القدوة.. وعندما يكون مجلس النواب قدوة للحكومة فإن ذلك أقل المطلوب منه والذى يجب التأكيد عليه.. أعضاء مجلس النواب- بالرغم مما نلحظه من ظواهر التقييد على الرأي- طالبوا بالترشيد ووقفوا بحزم فى قضايا الترشيد، وإذا لم يكن مجلس النواب رائدا وقدوة للترشيد فمن يكون إذا القدوة للحكومة؟ وكنت أتمنى أن يطلب النواب متابعة سياسات الترشيد التى اتخذتها الحكومة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وعلى سبيل المثال عدد السيارات التى اشترتها الحكومة وهيئاتها وشركاتها وهل كان هناك أوجه ترشيد فى العامين الماضيين؟ وما هى خطط الحكومة فى سياسات الترشيد للعام الحالي؟ وليس ذلك للتنديد ولكن للمحاسبة، والحد من تلك الظواهر، ووضع القواعد والضوابط التى تحمى اقتصاد البلد.. وكان الأجدر بالمجلس أن تكون مثل هذه المعلومات بين يديه ومتاحة للنواب حتى يتكلم الجميع بنفس الموضوعية عن الترشيد ومواقعه... حتى ترامب نفسه وهو الرئيس الجديد بدأ رئاسته معترضا على تكلفة طائرة الاحلام التى سيركبها وليُظهر انه حريص على المال العام ودخل فى مفاوضة للسعر بالرغم ان أمر التوريد صدر منذ شهور وقبلت شركة بيونج تخفيض السعر.. وفى العهد الماضى عندما عينت وزيرا كانت هناك أعمال إرهابية بمصر، وكان هناك تهديد لعدة أسماء من الوزراء، وقد أرسل الرئيس حينئذ السيارات المستعملة المصفحة إليهم، وشعر الجميع أن هذا ترشيد حقيقى لأنه وفر على الدولة الكثير من الأموال بعكس المسئولين ممن يكهنون السيارات حتى تأتى لهم سيارات جديدة..

ولا أنسى مواقف الدكتور مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى- رحمه الله- عندما قلت له إن الأعضاء ينتقدون تغيير السجاد بالمجلس، وأجاب بأن ذلك جاء تبرعاً وأعلن بنفسه ذلك بوضوح على الملأ.. والأكثر من ذلك انه كان يعيد أكثر من نصف موازنة المجلس للدولة كفائض وهو فى قمة السعادة على ما أنقذه من أموال الشعب. هكذا يكون الحفاظ على المال العام.. وهكذا تطمئن الناس إلى وجود مبدأ الشفافية، بل وأكثر من ذلك فهذا هو العمل السياسى المطلوب والذى يكسب احترام الجماهير قبل ثقتها.. فلا تسدوا الطريق امام العمل النيابى السليم والممارسة الديمقراطية الحقة بدعوى أن المعلومات «عند اللزوم» أمن قومى وخليك بعيد عن ذلك حتى لا تقع فى الخطأ وعواقبه! الاستقرار لا يتحقق بالتخويف والترهيب ولا بالشعور كمركز قوى تستطيع أن توجه الأمور دون ضوابط ومن خلال إجراءات استثنائية.. التاريخ يذكر والمرء يدرك عواقب ما ينتج عن الاجراءات الاستثنائية غير العادلة، لأننا نعيش فى مناخ إذا أطلقت فيه غازات سامة للتخويف والترهيب فمعناه خلق شعور بالاستياء والانطلاق بعيدا عن الاستقرار والتنمية وهو أحوج ما نكون إليه..

وبدلاً من مواجهة الخطأ والإقرار به.. نجد على العكس محاولة التنصل منه والدفع بالاتهامات حوله! لماذا لا نجرب تقديم الحقائق كاملة وصادقة بصورة فورية كرد فعل طبيعى وبأسلوب سياسى لائق يجذب الآذان المستمعة والمتابعة للأمر إلى أن يصل بها إلى الاجراء العادل والمرضى للشعب.. يجب أن ندرك أن الحقائق إذا غابت يوما فلن تختفى شهورا أو سنينا.. ولكن كالعادة نلجأ للبحث عن كبش فداء من أعضاء مجلس النواب وأنه قام بتسريب المعلومات وبدلاً من أن يقدم رئيس المجلس المعلومات الصحيحة حول الواقعة تتغير القضية بأن هناك «جريمة أمن قومي» ارتكبت بتسريب السر الدفين للإنفاق غير الرشيد، فلا غضاضة اذن من واقعة الانفاق البذخ ولكن الخطأ الفادح هو التسريب لها! هل هناك صعوبات فى اقامة الحوار وإرساء الممارسات الديمقراطية والاستماع للآراء والوصول إلى الأرجح منها.. لماذا الفزع من الديمقراطية ولماذا الحوائط العازلة حتى لا يُسمع الرأى الآخر.. هل انتهى عهد الحوار والوصول إلى حلول سياسية ترضى النواب والشعب بدلا من التخويف والترهيب بأن تسريب معلومات شراء السيارات جريمة أمن قومى تضع الناس فى السجون.. كلام ربما يلوح به فى قسم البوليس ولكن لا يصح ترديده فى أروقة مجلس النواب أو يوجه لأعضائه بغرض التخويف والترهيب، وإن دل على شىء فهو ضعف العمل السياسى.. «الإغراض» هو أقصر الطرق إلى الانتقام ولكنه يضيع فرص العمل السياسى الناجح ومعه مصالح الشعب، وأسلوب الانتقام مرفوض بصفة عامة فى المؤسسات الديمقراطية لأنك تتمسك بالمبدأ لترسى المُثُل والعدالة.. الدنيا كلها تدرك تجربة مصر فى العمل النيابى والتى ترجع إلى القرن التاسع عشر.. واقع يضع مصر ضمن الدول العريقة فى الممارسة البرلمانية.. تذكروا أن سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد كانوا يبهرون العالم من هذا المنبر.. يجب أن نسمو بالممارسة النيابية لندفع مصر إلى عجلة التقدم.. يجب أن تُعطى الفرصة كاملة لأعضاء مجلس النواب فى ممارسة دورهم الكامل.. وهنا أود أن أشير بوضوح تام إلى أن هناك بعضاً من أعضاء المجلس يقومون بواجبهم خير قيام بل وأرى منهم من يسهر ليلاً ونهاراً لخدمة دوائرهم، ونحن نتمنى لهم دوام النجاح فى مسيرتهم..

التناقضات لا يهضمها الشعب والدولة بصفة عامة يجب أن تكون جادة وصادقة فى سياستها نحو الترشيد، والسياسى المحنك هو الذى يتكلم وصورة الشعب فى أفعاله وليس أقواله.. إن كسب ثقة الشعب تأتى من الاقتناع الداخلى للمواطن المصرى وهو ذكى ويفهم الأمور بموضوعية، وللأسف أصبحت الحكومة محل شك دائم فى ذهنه.. وكيف تكون الحكومة مقنعة حين تقول للمواطن سنرفع سعر الكهرباء والبهوات يشترون السيارات الفارهة، وأين المنطق من دعوة ربط الحزام حين يعلم أن مجلس الشعب أنفق 700 مليون جنيه فى ستة شهور، والنواب يطالبون بزيادة رواتبهم، والوزراء يعيشون فى ضنك من ضآلة مرتباتهم! والمواطن حائر حيال هذه المفارقات.. نحن فى أشد الاحتياج إلى مناخ قويم من خلال الممارسة الديمقراطية بأسلوب سياسى متوازن وبمردود إيجابى مؤثر وفى الوقت نفسه يجب أن ندرك أن الشفافية هى أقصر الطرق للإقناع ونتذكر دائما «ليس شىء على الشعوب بسر».

وزير الصحة الأسبق

[email protected]