رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الذين اعتزلوا لعبة الحكم لم يكونوا دائماً من المهزومين والجبناء وعديمى الحيلة، فهناك من غادرها بحثاً عن راحة بال مفقودة أو تحاشياً لأجواء مشحونة، ومن تركها ترقباً لتغيير مأمول أو حزناً على حال مأزوم .أما أكثرهم جرأة، فهم الذين فارقوها زهداً فى مغانمها أو منعاً لشرورها.

ومع أنهم معدودون مقارنة بكثيرين أجبرتهم الظروف على التنحى أو الاستقالة، على نحو ما فعل ملك إيطاليا الأخير فيكتور عمانويل بعد هزيمة بلاده فى الحرب العالمية الثانية والملك فاروق عندما تنازل عن عرشه لولى عهده أحمد فؤاد عام 1952، وملك بريطانيا ادوارد الثامن الذى تخلى عن تاجه ليتزوج من سيدة مطلقة، يبقى للزاهدين بريق خاص، يضئ ويُلهم، لاسيما إذا اقترنت خطوتهم بتحولات كبيرة فى تاريخ أممهم.

أشهرهم، عربياً وإسلامياً، هو الإمام الحسن بن على (رضى الله عنهما)، الذى اختار، على الرغم من مكانته المشهودة، ثم ما توافر له من ركائز قوة دينية ودنيوية، أن يترك الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان حقناً لدماء المسلمين، و«خشية أن يأتى سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً يوم القيامة تنضح أوداجهم دمًا، وكلهم يستعدى الله فيم هرق دمه»، حسبما نقل عنه فى نهاية تلك الأيام الكبيسة.

ويتفق المؤرخون على أن هذه الخطوة نزعت فتيل حرب كادت أن تحصد أرواح المسلمين الذين احتشدوا على جبهتيها فى موضع يقال له مسكن (من سواد الكوفة). أما بعد اتمام بيعته لمعاوية، فقد عاد الإمام الحسن، ليؤكد أنه إنما فعل ذلك حفظاً لدماء المسلمين، أو كما قال لمستمعيه يومئذ: «إن هذا الأمر الذى اختلفت فيه أنا ومعاوية (الحكم) إما أن يكون حق أمرئ فهو أحق به منى، وإما أن يكون حقاً هو لى فقد تركته إرادة إصلاح الأمة وحقن دمائها»، أوحين أضاف: «إنا قد أعطينا بيعتنا لمعاوية ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها، والله ما أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين».

أما أكثر معتزلى السياسة زهداً وثباتاً، فكان – للمفارقة – حفيد معاوية بن أبى سفيان وسميه، (معاوية بن يزيد المعروف تاريخياً بمعاوية الثانى)، إذ وُلى هذا الشاب السلطة خلفا لوالده المتوفى عام 64 هـ، لكنه لم يشأ أن يتورط فى دهاليزها، فلاذ منها خلف باب بيته، حتى وافاه الأجل بعد قرابة ثلاثة أشهر فقط، على ما يرجح بعض المؤرخين، الذين نظروا إلى ما جاء بخطبته السياسية الوحيدة، كشهادة على ما آل إليه حال المسلمين بعدما غلبتهم صراعات السلطة ومصالح الدنيوية.

يومها نادى الخليفة الشاب فى الناس لصلاة جامعة، ثم وقف فيهم قائلاً: «إنى قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فابتغيت فيكم مثل عمر(بن الخطاب) حين استخلفه أبوبكر (الصديق)، فلم أجده، فابتغيت فيكم ستة مثل ستة الشورى (الذين أوكل إليهم عمر بن الخطاب اختيار خليفته)، فلم أجدهم، أنتم أولى بأمركم، فاختاروا له من أحببتم»، فلما ألح عليه بعضهم كى يستخلف أحداً من أهل بيته، أجابهم بحسم: «والله ما ذقت حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها (....) اللهم إنى برىء منها، متخل عنها».

ويقر المؤرخون بأن هذا التنحى، كاد أن ينهى حكم بنى أمية بعد أن سبب فراغاً سياسياً أفاد منافسيهم، خاصة خصمهم الرئيس عبدالله بن الزبير، الذى سعى لتثبيت أركان دولته الفتية فى الحجاز وعدد من الأمصار القريبة، غير أنهم يتفقون – فى الوقت ذاته - على أن ما فعله الأموى الزاهد سيبقى – بدلالاته ثم تداعياته - حدثاً فريداً وفارقاً.