رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الجزء الثانى

عندما كتبت الجزء الأول من هذا الموضوع الخميس الماضى لم أكن أتوقع أن يحصل على هذه المشاركة الفعالة من الكبار والشباب.. مما يؤكد أن هذا الموضوع له صدى عند الكثيرين بل وبالرغم من أن الآراء قد تجيء متفقة مع أو مختلفة عن آرائى لكن هناك شبه اجماع على أنه موضوع الساعة.. وقبل أن أنتقل إلى الموضوع أود أن أشير إلى شيء هام وهو تساؤل الناس وماذا بعد؟ وهل سيستجيب أحد؟ والاجابة الله أعلم.. ولكن فى زمنى وهو ليس بالبعيد كان هناك ما يسمى الحس السياسى والذى من خلاله يٌقدّر المسئول أهمية الموضوعات المطروحة بل ويدرك ان كان ما يفعله قد نال رضاء أو عدم رضاء الشعب.. هذا الحس السياسى كان موجودا عند الغالبية العظمى من المسئولين بل وكان مجلسى الشعب والشورى فى ذلك الوقت هما ترمومتر وعقل الشارع المصري.. وأتمنى أن نرى ذلك فى مجلس النواب الآن والذى يضم العديد من القيادات الشعبية لديها الكثير من المقومات السياسية والقدرات ما يجعل منها قيادات مؤثرة فى المجتمع ناقلة لنبض الشارع.. ومن المؤسف عندما يفضل المسئول الحكومى ألا يسمع وألا يحس بمن حوله وأن يصر على آراءٍ هو ماضٍ بها سواء سمع أم لم يسمع، فإنه عندئذ يعزل نفسه عن الجماهير.. وتجاهل نبض الجماهير أسوأ مُعادٍ للحكومات.. ولذا كنت أرى خلال عملى بالسياسة أن المسئول الناجح هو من يجعل بوصلته رضاء الجماهير.. وأجد أنه من الأمانة أن أشير إلى ذلك لأن الشباب أصبح لا يعرف إذا كان المسئولون يسمعون نبضه ام اكتفوا بنبض مجموعة محدودة تهتف وتصفق لكل من جاء وكل من هو قادم..

والمسئولون يجب أن يتعلموا من الماضى وأتذكر كاتبنا العظيم الراحل أحمد بهاء الدين حين كان يقول إن الفأر يدخل المصيدة مرتين أى مُكَرِرا خطأه إلى أن يقع المحظور.. على عكس الإنسان فلا عذر له إذا ما قام بتكرار خطئه وخاصة إذا ما تعلم من الماضي، أما إذا أغمض عينيه عن الخبرات السابقة فربما يلقى نفس المآل المحظور نتيجة لتكرار الأخطاء.. هذه مقولة تحمل حكمة لتبصر العاملين فى حقل السياسة حتمية التعلم من التجارب الماضية إيجابية كانت أم سلبية..

تعود بى الذكريات وكيف استبسل شباب مصر فى تحقيق الإصلاح الصحى الذى جعل الرعاية الصحية واقعا للفقراء قبل الأغنياء.. والناس قد لا تعرف أن الكثيرين منهم كانوا يختلفون معى وكنت أسعد بالحوار معهم وهذا أحد أسرار نجاح الإصلاح الصحى بل فتحت الأبواب لسماع رأى الجماهير فى الخدمة وأجريت أبحاثا ميدانية عن درجة رضاء مستخدمى الخدمة.. وغيرنا كثيرا من القرارات بفضل رأى الخبرات، والعاملين، وممثلى الشعب بالمجالس النيابية، وأيضا متلقى الخدمة من خلال حوار متصل وتواصل لا ينقطع.. فباب الوزير يجب أن يبقى مفتوحا وخاصة أن الهدف فى نهاية الامر هو الإصلاح والتحسين ورفع المعاناة.. بل تغيرت نتائج تنظيم الأسرة بعد أن تبنينا إعلام المواجهة، وقد نشطت فتياتنا فى هذا المجال لتسجل ليس فقط نجاحًا باهرًا ولكن إبداعات جديدة فى تنظيم الأسرة.

الشباب ليس بحاجة إلى خطب رنانة وبرامج تلفزيونية تعرض لنقاش من طرف واحد.. بل ان الشباب فى حاجة إلى الحوار.. حوار المواجهة الذى يحمل المشاعر الصادقة.. والمُحاوِر يحتاج إلى اعداد وتدريب واكتساب خبرة، وهو فى نظرى أمر أصعب من تدريب الطبيب والمهندس.. فالمحاور الجيد مع واسع ثقافته هو الذى يستطيع أن يتفهم مشاعر الشباب ويستحوذ على ثقتهم بل ولديه القدرة على التأثير من خلال المصداقية والإقناع وليس الإملاء فهو هنا العملة النادرة.. أما الذى يريد أن يملى آراءه وآراء غيره على الشباب فهو العملة الرديئة التى أدت إلى عواقب وخيمة وعكسية فى الماضي.. ولا أنكر أن جزءا كبيرا ساهم فى صقلى وعرفنى مدخل العمل القيادى بدأ فى اتحاد طلاب الجامعات وكنا شبابا متفوقا له مُثل وآمال وتطلعات.. يحلم لمصر قبل أن يحلم لنفسه.. ولعلنا كنا محظوظين بمعايشة القدوة من أساتذتنا العظام، كانوا أساتذة للرسالة قبل المهنة.. وكانوا القدوة التى فتحت صدورها قبل أبوابها لاحتوائنا وتطلعاتنا نحن الشباب فى ذلك الحين.. ثم كانت منظمة الشباب وكنت فى الدفعة الأولى وعاصرت رجال القمة وهم يحاورون وقد علت مكانتهم عندما كانوا يصدقوننا القول.. ولا أنسى الدكتور كمال أبو المجد عندما سألته أمام الدارسين عن تقييمه للديمقراطية وكان سؤالا ماكرا الا أنه رد بما رفع من قدره بإجابته التى حملت معنى ذكيا بقوله ارجو أن تعفونى من هذا السؤال.. كان هناك تقدير واحترام متبادل على الرغم من صغر سن الشباب ولم نشعر بتعالٍ من كبار المسئولين الذين كانوا يجيبون الشباب على اختلاف أسئلتهم.. ورغم الاستفادة العظيمة من التجربة فى حد ذاتها الا أن ذلك لا يعنى أننى محبذ لوجود منظمة جديدة للشباب لأن ذلك كان تاريخا وليدا لتلك المرحلة ذات الفكر الموحد للشباب والذى لم يستطع حتى آنذاك مجابهة أمور منطقية تدور بخلده.. الدنيا تغيرت لتستوعب الافكار على اختلافها والتى قد تصل لحد التضارب وهو ما يزيد من صعوبة الحوار أحيانا.. وبالرغم من ذلك فلن يكون هناك تجسيد لدور الشباب الا من خلال الحوار المباشر حتى وإن بدا دواءً مرا.. فلابد منه..

وعندما توليت وزارة الصحة كان عندى إصرار على أن يكون هناك حوار مباشر مع شباب الأطباء لأننى وجدت شباب الخرجين محبطا ويتهرب من العمل ومن المسئولية.. وبالفعل كانت المواجهة بالحوار المباشر والصادق لتعريف شباب الأطباء بدوره فى الإصلاح الصحى وكسب تأييدهم له.. ووافقت رعاية الشباب على إمدادنا بالمعسكر بمحافظة بورسعيد مخصصا لإقامة شباب الأطباء، ودعوت كبار المسئولين للرد على تساؤلات الشباب.. كذا وضمت اللقاءات كبار العاملين فى قطاع الصحة لجذبهم إلى سياسات الإصلاح الصحى وتوضيحا لدورهم الوطنى المأمول فى القرى والنجوع المحرومة.. وكنت أقضى معهم يوما أستمع إلى مشاكلهم وأستجيب إلى مقترحاتهم.. ولم أغضب أو أمل من بعض الحوارات القاسية بل واستجبت لكثير من مطالبهم مما زادهم ايمانا بسياسات الوزارة.. واستجاب شباب الأطباء وتطوع الكثيرون للعمل فى المحافظات النائية.. ولا أنسى مجموعة من الأطباء والطبيبات الذين حضروا لمقابلتى وقالوا نحن متطوعون للعمل فى قنا وسألت ولماذا قنا ؟ أجابوا لأنك ذكرت أن هناك نقصا كبيرا للأطباء فى قنا.. واستمر الحوار والمشاركة بحماس فى مسيرة العمل الصحى وكان دائما بجانبهم وأمامهم وخلفهم الخبرات توجه وتعين وتذلل العقبات لفريق العمل المتكامل.. وأوجدت مصادر تمويلية لبعثات الشباب بأوروبا وأمريكا لتجنى مصر ثمارها بعد عودتهم.. وتكاتف الجميع لحل مشاكل الصحة لغير القادرين.

وحتى نكون منصفين فإن الذى أخفق فى الحوار على الساحة هم الكبار وليس الشباب لأن الأجيال المتعاقبة فى خلال الخمسين سنة الماضية لم تسمح بالحوار الصادق، وعليه تحجرت هذه العقول مثلما تحجرت قدراتها على مجاراة الواقع لا سيما بعد أن تفتحت آفاقه وصار العالم قرية صغيرة وصارت الحدود فى الإعلام وهمية.. من هنا يجب أن نطور أنفسنا وأن نكتسب خبرات جديدة فى الحوار البناء الذى يعظم من ثقافة الاختلاف وحق التعبير دون الجور على حقوق الآخرين أو من نختلف معهم.. وعبد الناصر فتح قلبه وعقله فى محاولة كسب المفكرين ودمجهم فى توعية الشباب ولم تهتز هذه التجربة إلا بعد استبعاد المفكرين والذى نتج من سيطرة مراكز القوى آنذاك.

مهما قلنا وأسردنا فلن نستطيع أن نغير الواقع فى كل العالم.. ومن املاءات الواقع أن عبء صناعة المستقبل يقع على عاتق الشباب.. والمستقبل يكون واعدا إذا أعددت الشباب له وقد يكون مظلما إذا ما تكاثرت الأزمات ونالت من الشباب.. وحتى يحقق الشباب وينجز على أرض الواقع يجب أن يُمهد السبيل لانطلاق الطاقات.. والفيلسوف الأمريكى «جون ديوى» يتحدث الينا عن أن التقدم شيء موجود فى كل المجتمعات ولكنه حبيس وأن الطريق إلى فك قيد التقدم وإطلاق سراحه يكمن فى مواجهة الحقائق والقدرة على صياغة أهداف واقعية، ومن خلال المسارات المختلفة نحو المواجهة يتم اختيار أفضل السبل التى تحقق هذه الأهداف وتفك أسر التقدم.. ويستكمل الفيلسوف رؤيته النابغة مضيفا اننا لو علّمنا الشباب ما كنا نتعلمه بالأمس فقد سرقنا حق هؤلاء الشباب فى غد مشرق.. وتنم المقولة عن أن صناعة المستقبل لا تكون الا من خلال فكر الشباب الواعي.. ومن خلال خلقه لفكر يخطط للغد.. ويجب أن نضع أمام الشباب ليس فقط إنجازات الجيل السابق بل أخطاءه أيضا حتى لا يكررها ويبنى على صدق التجربة.. فالمواجهة هى الطريق الصحيح لصناعة الغد مهما كانت الحقائق ومآخذها وآلامها فلا شك أن ذلك هو الطريق الصحيح نحو تحقيق الهدف..

ولا يجب أن نغفل بناء جسم الشباب من خلال برامج وسياسات الصحة الوقائية وتعزيز الصحة من خلال التأمين الصحى للطفل والتلاميذ بل يجب أن يمتد إلى الأمهات فى فترة الحمل.. وببعض البرامج تمكنت مصر من تقليل تقزّم الأطفال المولودين بنسبة ٥٠٪ وتقليل أعداد غير اللائقين من المتقدمين للكليات العسكرية.. والرياضة هى أقوى سلاح لتعزيز الصحة وحماية الشباب من العديد من المخاطر ولقد دعوت فى مقالى السابق لفتح مراكز وساحات الشباب وتعظيم الاستفادة منها ونبذ فكرة الاستعاضة عنها بأندية استثمارية لا سيما إذا كان الهدف هو إزالة الفوارق فى الإتاحة وليس ترسيخها..

لقد خلت الأيام وكم كانت سهلة عندما كان الأمن القومى هو حماية حدود الدولة وكيانها من الأخطار، وامتد هذا المفهوم ليشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتصير أعمدة أساسية فى ترسيخ مفهوم الأمن القومي.. ثم تعدى الأمن القومى ذلك مرحليا ليصبح تعزيزا لتنمية المجتمعات وتنمية الثقافة والقيم والمبادئ وحماية المواطن وحقوقه وإشباع حاجاته الأساسية.. فليس من المستغرب إذن أن صارت عبء المسئولية للأمن القومى أكبر بكثير من سنوات مضت فى الوقت الذى أصبحت فيه صياغة الاستراتيجيات والسياسات له من أصعب الممارسات العلمية والعملية بعد أن تعددت وتكالبت المؤثرات الداخلية والخارجية..

ولعل المفكر الفرنسى «جارودى» وضع السؤال الصعب الذى يتطلع فيه إلى كيفية فتح آفاق إنسانية جديدة وراء ساحات الخراب والدمار التى شهدها العالم.. والاجابة عن هذا السؤال ليست فى كتب المطالعة أو المدونات الأدبية أو الاجتماعية.. فالإجابة محليا على أقل تقدير تحتاج إلى استعراض الفكر الجديد من المفكرين المصريين الذين استطاعوا أن يحلقوا فى واقع صدمة الحضارة وصدمات العولمة ليضعوا سياسة مضادة لآلام واخفاقات هذه الصدمات.. يجب أيضا أن نجد مخرجات من أزمات التعليم التى أضنت كاهل الأمة كلها.. ويجب أن يكون لنا موقف ثقافي واقعي من خلال القيم الدينية والموروث التاريخى والثقافى والعادات والتقاليد.. ويجب أن نرتقى بالإعلام بكل أنواعه ليكون منارة تهدى إلى خير البلاد وتحصن عقول الشباب ضد فيروسات التطرف والانحلال والإدمان والتدخين والأفكار الهدامة التى تبغى ابعاد الاستقرار عن مصر.. ويجب أن يكون هناك احترام لما يقدمه لكل فئات المشاهدين.. فلا يعقل أن نشاهد السب والتعدى بين المتحاورين ونعتقد أن الشباب لن يتأثر بهذه الوقائع، ومن غير المعقول أن تشاهد الشابات الابتذال الرخيص دون لجوء بعضهن إلى المحاكاة والتقليد.. وعلى الجانب الآخر تبرز أهمية النهوض بالجانب الروحى للشباب وترسيخ القيم من خلال التحليل والفهم العلمى مما يعود بالخير على الشاب والوطن.

والشباب دائما يتطلع إلى تكافؤ الفرص ولا يصح أن يقتصر الأمر على تضمين هذا المبدأ فى القوانين فمن المهم تأكيد الدولة على ذلك فى كل الممارسات الفعلية لها وبشفافية تكسب ثقة الشباب وتحقق مطلبا حيويا وعادلا لهم.. ويجب أن تكون هناك حماية حقيقية للضعفاء.. ومنذ عشرين عاما هدانا الله إلى أن يكون عماد فلسفة النظام الصحى هو إزالة الفوارق فى النظام الصحى وهذا ما جعل تجربة الإصلاح الصحى فى ذلك الوقت تجربة احترمها الشعب والعالم وقدم لها العون وأثمرت بمردود فى رضاء غير القادرين.. والذين أهدروا هذه المبادئ وضعوا ثقوبا فى غطاء التنمية الاجتماعية أصبح من الصعب تداركها فالغالى بيع رخيصا لأن المسئول لم يدرك أنها مكاسب شعبية ثمينة صعبة المنال.

لا يجب أن تخذلنا البطالة بل على العكس فمن هذا الوطن الكثيرون من أصحاب الأعمال إذا ما سنحت لهم الفرصة فقد يزيلون جزءا كبيرا من عناء البطالة لو وجدنا الفكر المناسب.. هذا الفكر يجب أن يبدأ فى القرية ويخلق فرصا حقيقية للعمالة دون تحميل الدولة بأعباء جديدة.. ولكن علينا تحفيز رجال الأعمال وإشراكهم ببرامج مبتكرة لتشجيع التصنيع فى القرى لتخفيف حدة البطالة وقد تحدثت فى الجزء الأول عن تجربة قريتى والتى كان الفضل فيها لأحد رجال الأعمال.. ويجب أن أشيد بتجربة الصندوق الاجتماعى وبعض الجمعيات الأهلية الجادة فى خلق فرص عمل جديدة وكلها تجارب يجب أن تتوسع خاصة فى داخل القرى والمحافظات النائية.

أما اصلاح التعليم فهو شيء مرير وصعب وقد كانت هناك كثير من المبادرات لم نحصد منها الا ازدياد التعليم سوءا وأوصلنا إلى حالة اللامعرفة من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ؟ ومتى نبدأ؟ ولهذا يجب أن يكون هناك برامج موازية يضعها الخبراء العالميون والخبرات المصرية، وإذا كانت هناك صعوبة فى العلاج الجموعى للتعليم فى مصر، فما لا يؤخذ كله لا يترك كله، يمكننا البدء فى إرساء النموذج المرجو للتعليم السليم بأهداف ومحددات ونتائج متوقعة وواضحة مع إرساء الخطط المرحلية للتوسع والتعميم، يمكننا أن نعطى مساحة للعمل الأهلى للمشاركة فى منظومة تطوير التعليم تحت اشراف الدولة، فالدولة لا تستطيع عمل كل شيء.. ولا ننسى فى السياق بداهة أن الطفل يأتى فى مركز اهتمام العملية التعليمية.. كما وأن تدريب وتأهيل المعلم يأتى فى الأهمية مماثلا للمتعلم أو الطالب.. وربما نتفق على أن أخطر آفة أصابت التعليم تم بعد إفراغه من الأهداف التربوية فقد أصبح هدف الشباب هو الحصول على الشهادة وليس المعرفة والثقافة والقيم التى تبنى عقله وترتفع بقدراته وترقى بخبراته حضاريا.. ومشاكل التعليم فى معظم الدول النامية وليست فى مصر وحدها متشابهة.. ولقد فوجئت فى جامعة كارنجى أثناء تحدث أحد الأساتذة هناك عن مشاكل التعليم فى الأعداد والقبول فى الجامعات لدى الدول النامية، وشعرت وكأنه يتكلم عن مصر والثانوية العامة ومشاكلها ودعوناه إلى مؤتمر مؤسسة الشرق الأوسط بالقاهرة منذ عامين ليحاضر ويلقى الضوء على إرهاصات وخبرات إصلاح التعليم.. وللأسف لم يحضر أحد من العاملين فى حقل التعليم إلا بعض الوزراء السابقين. وهذا دليل على الصمم الذى يصيب المسئولين ممن لا يسمعون غير أنفسهم ويتفننون فى تفويت الفرص على مصر.. نحن فى حاجة لمبادرات يشارك فيها الخبراء من الداخل والخارج للدخول إلى العالمية وربط مؤسساتنا التعليمية بالمستوى الدولى حتى يكون الخريج المصرى منافسا وتجيء التجربة مضيفة للشاب فى اكتمال بناء شخصيته.

وعلينا العمل فى كل اتجاه لغرس قيمة قدسية العمل فى الطفل، والنشء، والشاب.. فبعض الشباب يرفض العمل لقلة الأجر وهذا يحرمه من بناء خبرته ويستمر فى مد يده لطلب العون من أهله.. عليه أن يتذكر أن العمل ولو كان صغيرا ودون مستواه سيبنى لديه بعض الخبرة وربما يعدّه بطريق مباشر أو غير مباشر نحو ما يتمناه من عمل وأداء فى موقع أكثر تميزا.. وخلال عملى ببريطانيا قابلت رجل أعمال مصريًّا حدثنى كيف بدأ من الصفر وصار ذى مكانة،وذكر لى بعض الأسماء الأخرى اللامعة التى بدأت معه.. وبدون خجل قال لى إننا جميعا من خريجى مطعم «الباشا» بلندن حيث كان عملنا الرئيسى غسل الصحون.. وفى محاضرة لرئيس الجيش الأمريكى السابق الجنرال «بترياس» تحدث بفخر عن طفولته حيث نشأ فى أسرة متواضعة و كان يستيقظ فى الرابعة صباحا لتوزيع الجرائد قبل ذهابه للمدرسة حتى يستطيع توفير نفقاته.. العمل قيمة وشرف فى أى موقع شريف ويجب أن نتعلم أن هذا طريق العظماء ولكل شيء بدايات حتى ولو كانت صغيرة..

وعادة ما ينجذب الشباب إلى مشروعات تنمية المجتمع.. وربما يجدر بالدولة أن تولى مثل هذه المشروعات اهتماما زائدا يحرص على اشراك أكبر عدد منهم اليها تحت مظلة سياسات أو اجراءات تسهيلية وتشجيعية.. مع اهتمامها فى الوقت نفسه بتبنى معسكرات العمل التى تؤهل الشباب لتلك المشروعات وتنمى المواهب القيادية بينهم وبحيث تتضمن فى محتواها أيضا إعدادا ثقافيا للمشاركين لتصحيح المفاهيم الخاطئة وغرس الصحيح منها فى عقول الشباب.

هناك آفاق متعددة لو تم الالتفات اليها فستلوح بإشراقة على شباب مصر بإذن الله وأملى أن يستمع المسئولون ويقبل الشباب على المشاركة فى مسيرة البناء بقوة وصلابة.. ولعل الإنجاز الملحمى لشباب مصر فى حرب أكتوبر مازال يعطينا المثل فى الإرادة والتلاحم والالتفاف حول الهدف لتحقيق التفوق.. وأملى ونحن فى شهر أكتوبر أن يلهمنا الله الطريق لغرس روح أكتوبر فى نفوسنا لتكون بداية العبور الحضارى لمصر.

وزير الصحة الأسبق

[email protected]