رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شىء ما كان يخفيه «حكيم الوفد» طالما أثار فضولى.. ربما بحثت عنه بين كلماته كلما كان يجمعنا حديث.. كان الرجل وقوراً.. جاداً.. وكان حنونًا خفيف الظل.. يمنحك خلاصة أفكاره الفلسفية العميقة فى وداعة ورقة وسهولة.. حتى أن الكلمات شديدة الفصاحة تنساب متجهة إلى عقلك وروحك مباشرة فتتقبلها وتقتنع بها كأنما هى وليدة أفكارك أنت.

عرفت الأستاذ حازم فى وقت كنت مشغولة بالتعرف على ملامح طريقى فى بلد الأحلام القاهرة.. وكنت ما زلت طالبة بالسنة الثانية بكلية الإعلام ومن حسن حظى أننى التحقت بالعمل فى الوفد.

كنت أنظر إليه فى انبهار وهو يتحدث الفصحى فى طلاقة تبهر السامعين.. حتى أننى حاولت مرارًا أن أقلده.. فوجدت الأمر مختلفًا تمامًا وأيقنت وقتها أنه يمنح اللغة مذاقًا خاصًا به وحده دون غيره.. وكان له أسلوب خاص فى النصح كأنما يخصك به دون غيرك. لتشعر معه بأنه مثل باحث متخصص فى شأنك، ملم بكل التفاصيل التى ربما لا تعرفها عن نفسك.. فتكتشف إمكانات لديك ومميزات تتمتع بها وعيوب تحاول إنكارها، لطالما شعرت أنه قد انتهى توًا من دراسة حالة ما كنت أستشيره بشأنه من فرط قناعتى بصدقه وقدرته الهائلة على التحليل بل وإرشادى إلى الحل.

وعشت سنوات طويلة فى هذا المكان.. ممتنة للأستاذ حازم هاشم, فخورة بمعرفته سعيدة لمجرد أننى أمر أمام مكتبه فألقى عليه تحية الصباح، فأطمئن لوجوده بيننا وبين حين وآخر يحلو لى أن ينادينى أو يستوقفنى ليسألنى عن أحوالى «ولطالما سألنى باهتمام» أنت سعيدة يا نادية؟.. وكثيرًا ما كان يلحق السؤال بجملة شبه تقريرية، لديك الكثير مما يحزنك.. فلم؟ كان يسألنى بـ «العربى الفصيح» فأجدنى أجيب دون تردد.. وأبوح كأنما أحدث نفسى دون خوف كأنما أتحدث لــ «أب صديق» وما أن أنته حتى تنهال علىّ مفاجآت ومكافآت لتتحول همومى وأحزانى إلى أسباب للفرح والثقة بالنفس.

فى آخر مرة شكوت له ضيقى بالمسئولية تجاه أبنائى وشعورى أننى غير كفء لتحمل مسئولية أسرة بهذا الحجم وشعورى الدائم بالتقصير تجاه بيتى وعملى وأننى أبدًا لا أشعر بالرضا عن أدائى تجاه الجميع رغم أننى أبذل أقصى ما بوسعى وأكره الفشل فإذا بالأستاذ يمنحنى الدرس الأخير وعنوانه «يوسف» بضم السين كما كان يحلو له أن ينطق اسم ابنه الوحيد.. حكى لى الأستاذ عن عطاء الآباء المتناهى تجاه أبنائهم وكون الشعور بالقلق تجاههم والخوف عليهم شعور طبيعى جدًا وقال لى: منحت يوسف عمرى كله وضحيت وأنفقت وكان يراودنى نفس إحساسك، لكنى الآن عندما أراه رجلاً، ومحاميًا دوليًا ناجحاً، أفخر بنفسى وبما صنعت، وبالقياس أنت تسعين إلى التحقق من خلال إنجاح بيتك وأولادك فلا تخافى.. وأخذ الأستاذ حازم يؤكد لى أننى فى الطريق الصحيح ويبث طاقة إيجابية تبدد يأسًا كان يدب فى نفسى.

من محبة الله لعباده أن يضع فى طريقهم من يقويهم ويبدد أحزانهم ويبدل إحباطهم بحماس متجدد ويضع حدًا لمنحنى الإخفاقات أو هواجسها فى النفس، وأستاذى الجليل حازم كان من إشارات الحب الربانى، هو من نوع يحمل سرًا بداخله أقرب إلى السحر ما فوت فرصة إلا وبحثت عنه حتى فى آخر مرة زرته بغرفة الرعاية المركزة.. رأيته مكبلًا بأجهزة طبية توحى بقرب النهاية أكثر مما تبعث الأمل بالشفاء.. كان يفتح عينيه ويغلقها وأنا أناديه.. ولا أعلم إن كان يسمعنى.. ألن تفصح عن سرك قبل الرحيل يا أستاذ؟.. ألن تمنحنى حل الشفرة؟.. هل ستتركنا إلى همومنا؟.. لم نعهدك مشغولًا بنفسك حتى لو كانت النهاية؟.. من سيعلم التلاميذ فى بلاط صاحبة الجلالة كيف نصون المهنة من الدخلاء ونحمى قدسية الكلمة؟.. وعلى من نلقى تحية الصباح؟

حملت تساؤلاتى وحملتنى صدمة الرحيل إلى عزاء يحمل أكبر المفاجآت.. أخيرًا عرفت سر الأستاذ حازم هاشم.. كشفته دموع يوسف فى وداع أبيه!