رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في الثلاثين من أغسطس تحل الذكرى التاسعة لوفاة أديبنا العظيم نجيب محفوظ، وأعتقد أن نجيب محفوظ قد مات على مسافة من الجبلاوي أقرب منها بينه وبين عرفه.. ليس لأنه كان أقرب لليقين العلوي منه لجسارة الشك من أجل المعرفة.

ولكن لأن هذا المبدع العظيم قد عاش عمره مناضلاً بأدبه وإبداعه في سبيل إعلاء قيمة الحرية والعدالة، وقد مات وحارتنا لم تتصالح بعد لا مع الحرية ولا مع العدالة ولم يفعل العلم بها ما فعله عرفة بحارة الجبلاوي وبالجبلاوي نفسه.

ومن هنا فإن نجيب محفوظ قد مات قبل أن يستريح وتمتلئ عيناه برؤية الحارة المصرية الكبيرة قد نعمت بعلوم عرفة وبالعدالة التى دعا وسعى إليها كل من جبل ورفاعة وقاسم ولا يزال الواقع بالحارة المعاصرة لا يختلف كثيراً عن واقع حارة جبل وحارة رفاعة وحارة الجرابيع التي شهدت مولد قاسم.

لم يتغير المشهد والأحرى أنه ازداد سوءاً إذا قورنت حارتنا اليوم بحارات وراء البحار كانت أكثر منا تخلفاً ومرضاً وكآبة على زمن جبل ورفاعة وقاسم واليوم قد باعد بينها وبيننا العلم الذي ابتكره عرفة في حارتنا القديمة وأخذ عنه بعد قرون أهل الحارات البعيدة في حين مات عندنا تحت أقدام الفتوات.

لم يتغير شيء ولا يزال الجبلاوي صامتاً بعيداً خلف فضاء لا نراه ولا نعرفه ورغم ثورته على أدهم في البدء وطرده من الحديقة لأنه خالف أمره واقترب من حجة الوقف الذي حرم هو الاقتراب منها.

نراه اليوم لا يفعل شيئاً أمام المظالم التي يتعرض لها أهل حارتنا وجبروت الفتوات الجدد الذين يملكون المال والجاه والسلطة أمام فقراء لا يملكون إلا الخوف من بطشهم.. لا يفعل شيئاً ولم يصدر عنه نذير يخيف به فتوات الاحتكار والإعلام والقروض والمخدرات والاستيلاء على الأرض الخلاء.

لم يتحرك جدنا الجبلاوي رغم علمه بما يعانيه أهل الحارة من ظلم وقسوة فاجرة.. معقول هكذا يظل على صمته والجوع يأكل الفقراء والملايين يتسكعون على أرصفة الشوارع بلا عمل يأكلهم اليأس والإحباط.. معقول يا جد حارتنا وأنت الذي تعلم كل شيء عن كل شيء.. تسمع صرخات العمال والزراع النائمين من شهور أمام ديوان المظالم يشكون لنوابك ما وقع عليهم من ظلم في الزمن البائس الذي بيعت فيه المصانع والضمائر وسقعت فيه الأراضي وسرقت البوادي ولهف شاطئ البحر الكبير اللص والوزير والسمير.

كل ذلك يا جدنا وأنت صامت في قصرك ولم ترسل لنا ولو حتى إشارة بأنك تجهز ليوم تسود فيه العدالة ويشبع فيه كل فقير ويحاسب فيه كل فاجر وحقير، وماذا بعد يا جدنا لقد حكى لنا أجدادنا بأنك كنت تقلب الدنيا لو تعثرت دابة ظلماً بأطراف حارتنا وحكى لنا جدنا نجيب محفوظ آخر ما سمع عن حارتنا القديمة من أن عرفه قد ابتكر كثيراً من العلوم والمعارف التي حلت مشاكل أهل الحارة وأنه استعطف إليه حتى الفتوات وأنه لم يكن قريباً منك مثل باقي أهل الحارة، ورغم ذلك فقد صدقوه لما شاهدوه بين يديه من حقائق يلمسونها بأيديهم.

تصور يا جدنا الجبلاوي أننا في عصرنا الحالى قد حرمنا النعمتين.. نعمتك يا جبلاوي ونعمة عرفة.. فلا نحن نتنفس فضاءك ونمتلئ بروحك ولا نحن أخذنا بعلوم عرفة وتعلمنا كيف نفكر بحساباته ولا نترك دنيانا للخرافات والتهاويل والخزعبلات.

تصور يا جدنا أن هذا هو حالنا اليوم لم نذق طعم الحرية والعدالة إلا لحظات وأيام قليلة على زمن جبل ورفاعة وقاسم ولم نسيطر على شئون حارتنا ونفهم معنى حساب المستقبل إلا ساعات في زمان عرفة وسامحنا يا جدنا لقد انتظرناك طويلاً وسهرنا الليالي نرجوك أن تسمعنا وترد علينا.. وذهبنا للخلاء وصعدنا الجبال وركبنا البحر، كل ذلك طلباً لرضاك واكتشفنا بعد كل هذا العناء أن حكام حارتنا يسعدون بغيابك عنا وبانشغالنا بأمر هذا الغياب على مر الزمان حتى لا نفكر في مظالمهم ويقفون بوجه أحفاد عرفة حتى لا نفهم لأننا حين نعلم ويعلمنا العلم كيف نفكر سنقدر على التمرد وهذا ما يقض مضجع فتوات حارتنا الذين نسوا أصلهم وبدل «النبابيت» و«الحمير» يركبون الآن السيارات الفاخرة واليخوت العامرة ويجوبون المحيطات ويغبون من اللذات وينفقون الملايين على الغانيات ويدسون المال بجيوب الدعاة المنافقين الذين لا هم لهم إلا قتل العقل برصاص فتاوى النقل ووصم التفكير بالتكفير.

وماذا بعد.. والحديث لجدنا نجيب.. قل لي يا سيدي من عالمك الأبدي إلى متى ستظل حارتنا قديمة ومنهوبة ومكسورة الجناح.. إلى متى ستظل حارتنا جارية تنحنى أمام من يملك القوة.. إلى متى ستظل حارتنا تكبر في المكان وتصغر في المكانة.. إلى متى ستبقى شوارع حارتنا مخنوقة في نهارها ومذعورة في ليلها.. إلى متى ستظل وجوه أبناء الحارة صفراء شاحبة وعيونهم حائرة غائرة وأقدامهم تحملهم بتثاقل من أرهقه العمر وسرق شبابه وحلمه.. قل لي من جديد يا جدنا نجيب، هل حقاً مات الجبلاوي وإذا كان فلماذا لم يسكن عرفة قصره بخلاء حارتنا.