رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لم يكن حادث مركب الوراق بمحافظة الجيزة هو الحادث الأول الذي يدل علي تغلغل الإهمال في مفاصل المؤسسات والمرافق المصرية، فتلك عادة سنوية دأب عليها الشعب المصري منذ عشرات السنين، لأن المسؤولين في مصر لم ولن يتعلموا من دروس الماضي، إذ في كل مرة تحدث مثل هذه الكوارث يجدون ضالتهم التي يلقون عليها بالمسئولية، مثل الماس الكهربائي أو عامل المزلقان، أو موظف الأمن، أو حتي فراش المدرسة .... إلخ،  وفى المعتاد "من أمن العقاب أساء الأدب"، وقد أشرت إلي ذلك من قبل في مقال سابق تحت هذا العنوان عقب حادث أتوبيس البحيرة، وأشرت إلي كيفية علاج هذه المشكلة، ولكن يبدو أن المسئولين في مصر لا يقرأون وإذا قرأوا لا يعملون  .

وفي هذه المناسبة أجزم بأن هذا الحادث لن يكون الأخير أيضاً، بل ستقع حوادث وكوارث أخري (لا قدر الله).

لأن أبواب الطوارئ في المؤسسات والمرافق مغلقة، فربما تكون المفاتيح ضائعة، أو ما هو مكدس خلفها من أثاث وخردة يمنع إستخدامها.
حنفيات الحريق لا تعمل أو لا تصلها المياه.
طفايات الحريق غير صالحة للإستعمال، أو المادة الموجودة بها فاسدة.
غرف العمليات بها أنابيب أكسيجين فارغة، أو محاليل منتهية الصلاحية، أو كشافات الإضاءة أكثر لمباتها تالفة.
أكشاك الكهرباء مفتوحة علي مصراعيها، وبلاعات الصرف الصحي بلا غطاء.
سائق التوكتك لا يحمل ترخيصاً لنفسه أو للتوكتك، كما تبين من تحقيقات المركب المنكوب والصندل .... إلخ.

ودليلنا علي أن الشعب المصري قد دأب علي هذه العادة، وتعايش مع الإهمال نسوق بعض النماذج التالية :

حادث قطار الصعيد رقم 832 المتجه من القاهرة إلي أسوان 2002.
حريق جراج أتوبيس النقل العام بمنطقة السيدة زينب 2003.
حادث حريق قصر ثقافة بني سويف 2005.
حادث غرق العبارة المصرية "السلام 98" 2006.

ومن بعدها حريق شركة بترول السويس، وحريق شركة بيع مصنوعات طنطا، وشركة توشيبا وغيرهم الكثير والكثير.

ولعل الخسائر المادية التي لحقت بمرافق الدولة ومؤسساتها من جراء هذه الحوادث تتضاءل رغم ضخامتها أمام الخسائر البشرية التي لحقت بالأرواح ممن لا ذنب لهم سوي أن ساقتهم الأقدار إلي تلك الهاوية.

ومما يدل علي أن الإهمال ترسخ في مفاصل المؤسسات والمرافق المصرية نسوق بعضاً مما ورد في حيثيات الحكم وتحقيقات أهم تلك الوقائع وهي قطار الصعيد عام 2002، والعبارة 98 عام 2006 :

فمن حيثيات الحكم الصادر ببراءة صغار الموظفين من هيئة السكة الحديد في القضية 2816 لسنة 2002 / الجيزة الخاص بقطار الصعيد :

أن أعمال الصيانة كانت شكلية وغير فعالة وعلي هذا جري العمل من قديم .... (ص 55 من الحكم).
أن الهيئة وإدارتها بل والدولة نفسها تتعامل مع ركاب قطارات الدرجة الثالثة، ليسوا بإعتبارهم كذلك فحسب، بل بإعتبارهم أيضاً مواطنين درجة ثالثة (ص 52 من الحكم).
ثم تقول المحكمة في مناسبة إحتواء عربات القطار علي ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف طاقتها .... كيف لا والهيئة أعدت هذا القطار لكي يكون نعشاً للضحايا من الفقراء المعدمين، وأرادت أن تجعلهم الفداء الذي تقدمه تقرباً إلي الله في عيد الأضحي (كان الحادث قبل عيد الأضحي بيومين) فتكفر بهم عن سيئاتها في حق المواطنين جميعاً (ص 50 من الحكم).
وفي نهاية هذا الحكم التاريخى قالت المحكمة ... أن الواقعة الماثلة تنطق بالسلبية وعدم الإحترام لعقل الرأي العام عن أسباب الحادث وتداعياته وأبسطها الإهمال والتسيب الذي إستشري في كل المرافق التي تخدم الجمهور .... فقد ملت العدالة ودور القضاء من هذا الإسلوب، يأتون بالصغار والكادحين، ومن لا دراية أو قدرات لهم ليقفوا خلف القضبان سجناء الظلم والقهر، والمسئول الحقيقي طليق... ينعم بالراتب الذي يصل إلي عشرات الألاف من الجنيهات شهرياً أو أكثر، ويجلس علي المقاعد الوتيرة في المكاتب المكيفة لا يسأله أحد، ولا يعكر صفو مزاجه سلطة تحقيق او جهاز رقابي... (ص62-63 من الحكم).

 

أما بصدد تحقيقات العبارة السلام 98 فقد جاء بها :

 

أن ترخيص السفينة يحمل 2790 راكباً في حين أن سعتها 1168 راكباً فقط.
أن قوارب النجاة منتهية الصلاحية برغم وجود شهادات بصلاحيتها.
أن إسطوانات مقاومة الحريق خالية وبالوعات الصرف مسدودة.
أن جراج العبارة به براميل زيت ومواد بترولية كانت سبباً في تأجيج النيران.

فهل بعد هذه الأحكام والتحقيقات ومرور هذا الوقت من الزمن يوجد من يبرهن لنا علي أن مسئولينا قد تعلموا من الماضي أو إستوعبوا تلك الدروس؟

والجواب بالقطع لا، لأن المسئولين بالدولة لم يستوعبوا تلك الدروس، كما أن أجهزة الرقابة لا تلقي بالاً لجريمة الإهمال للأسباب التالية :

أن كثرة الجرائم والمخالفات المالية جعل الإهمال كجريمة لا يلقي إهتمام أجهزة الرقابة.
أن قوانين أجهزة الرقابة تجعل هذه الأجهزة تنتظر من يخطر عن وقائع إهمال أو ينشرها، وهيهات هيهات أن يخطر مهمل أو رئيسه عن واقعة إهمال واحدة.
أن إنتاجية هذه الأجهزة يقيَّم دائماً بالحصاد المالي أمام الرئاسات أو البرلمان، لذا يوصي بتدارك الإهمال محلياً ولا يبلغ عنه.
أن معظم جرائم الإهمال تقع في عداد المخالفات الإدارية (فيما عدا المخالفات الجسيمة) وأعلي أجهزة الرقابة لا تقع تحت سلطاته مراقبة المخالفات الإدارية رغم أن معظم النيران من مستصغر الشرر.

لكل ما تقدم ومن واقع خبرتي العملية أجزم بأن حصاد الإهمال لن ينتهي وحوادثه سوف تتكرر ما دام كبار المسئولين في مأمن من الحساب، وقد سبق لي أن تناولت موضوع الإهمال في رسالتي للدكتوراه منذ عام 2006، وفي مؤلفات أخري عام 2008، وخاطبت رئيس أكبر جهاز رقابي في الدولة كتابة وشفاهة للإهتمام بهذه الجريمة، ولكن لا حياة لمن تنادي، وكلنا أمل في أن تكون نهاية كل مسئول مهمل مثل نهاية رئيس هيئة النقل النهري، ليس هذا فقط بل الثورة علي الإهمال ليس في المرافق وحدها، بل في قوانين أجهزة الرقابة التي بوضعها الحالي تساعد علي تكريس الإهمال، ولا نراها ضمن منظومة الإصلاح التشريعي رغم ما بها من عوار.

 

ملاحظة وتنويه : أما الملاحظة فهي ما نراه من الوحدات المحلية والمحافظات من استعدادات للإحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة يوم 6/8/2015، ولكني أهمس في أذن اللواء عادل لبيب : من أين تكاليف هذه الإحتفالات؟ "خلي بالك من فلوسك، وصحصح للحسابات الخاصة" .

أما التنويه فهو : أن كتابة المقال بعاليه تم يوم  27 / 7 / 2015، وأشرت فيه إلي أن حادث مركب الوراق ليس الأخير، ويوم 28 /7 /2015 وقع حادث حريق مصنع العبور، لذا لزم التنويه.