رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ونس الدكة

دعونى أتحدث لكم اليوم عن تلك العلاقة الأزلية بين المبدع والناقد المبدع، وما يحدث فيها من سجال بين مبدع يرى أن نصه مثل وليدٍ جاء بعد عملية ولادة ومخاض ألم ليقدم للعالم نظرة جديدة واستثنائية، وبين ناقد قد يكون له تجارب إبداعية سابقة ولكنه توقف واتجه إلى النقد ليحكم على هذا الوليد بالمدح أو بالقدح تبعاً لقواعد صارمة تستند على عشرات النظريات والفلسفات القديمة والحديثة النقدية، هذه العلاقة الشائكة بين المبدع والناقد المبدع ربما لا يشعر بها القارئ الذى يستمتع بها فقط كلما زاد الجدل حول النص الإبداعى الشعرى أو الروائى وكثر المنظِّرون حول هدف المبدع وغايته من طرح هذا الحكى، فغالباً لا يهم القارئ العناوين الضخمة للنظريات النقدية الحديثة، ولكنه يشعر بهذا السهم النافذ إلى أعماق روحه كلما تماهى مع قصيدة شعرية تعبر عن أحلامه وكوابيسه وشعوره الفوضى للحياة والحب والطبيعة، أو كان لرواية ما قرأها فى ليل طويل أثر كبير على نفسه جعلته يغير نظرته لمن حوله من البشر ورفقاء الطريق.

يقول الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الآداب جامعة القاهرة، إنه ربما كان كل مبدع حقيقى ينطوى على ناقد ما بداخله، كما أن بعض النقاد الحقيقيين تتضمن أرواحهم قبسا من الإبداع.

كتب تزفيتان تودوروف فى كتابه «الأدب فى خطر» يقول: «حاولت أن أكتب نظمت قصائد رديئة، ومسرحية من ثلاثة فصول موضوعها حياة الأقزام والعمالقة، بل شرعت فى كتابة رواية، لكنى لم أتخط الصفحة الأولى. أحسست سريعاً أن تلك ليست سبيلى، ودائماً غير متيقن من الآتى، اخترت مع ذلك دون تردد فى نهاية الثانوية مسلكى الجامعى، سأدرس الأدب»، لقد صار «تودوروف» واحداً من أهم نقاد الأدب والفكر. هل هذا يعنى أن الناقد فى الأصل شخص خانته موهبة الإبداع؟

يرى الباحث الإماراتى أحمد برقاوى أنه لا شك أنه لولا وجود المبدع لما وجد الناقد، لولا وجود النص لما وجدت القراءة، ولولا وجود الفيلسوف لما وجدت فلسفة النقد. ومع هذا فإن الناقد الحقيقى قد دفع بعملية الكتابة عبر نقده إلى الأمام.

كاشفاً عن أنه حين كتب امرؤ القيس معلقته لم يكن يعرف أن قصيدته من البحر الطويل، وكذلك عنترة لم يكن يدرى أن وزن قصيدته بحر الكامل، وقِس على ذلك بقية شعراء المعلقات، وهكذا حتى جاء الفراهيدى 718 - 789 ونظم أوزان الشعر العربى ببحور من الشعر وأطلق على كل بحر من البحور اسماً، فالشعر هو الذى خلق ناقد الشعر، وهو الذى حوّل الناقد إلى حارس على أوزان الشعر وقوافيه.

وأخيراً يرى الشاعر والناقد د. أمجد ريّان، الذى صدر له حتى الآن أكثر من عشرين ديواناً شعرياً وكتاباً نقدياً، أن طبيعة النقد تختلف عن طبيعة الإبداع، وأن لجوء المبدعين لممارسة النقد يكون عند وجود حاجة ملحة، وهذا ما حدث مع جيل السبعينات فى مصر حيث وجد هذا الجيل موقفاً مضاداً من النقاد، فبدأوا فى التنظير لتجربتهم، والمبدع إذا كتب نقداً فإنه يكون أقرب إلى روح النص الإبداعى.

ويضيف د. ريّان قائلاً إنه فى الفترات التقليدية كان الناقد يختلف عن المبدع، مستشهداً بالمرحلة الكلاسيكية الجديدة التى نجد أن حافظ إبراهيم، وأحمد شوقى، والبارودى لم يشتغلوا بالنقد الأدبى على الإطلاق، بينما كان هناك نقاد متألقون مثل الشيخ حسين المرصفى فى كتابه الوسيلة الأدبية، ونقاد آخرون كبار فى الشام مثل جبر ضومط، وقساطى الحمصى، ولكن فى مرحلة تالية عندما نشأت الحركة الرومانتيكية كانت حركة ثورية، لأنها رفضت المنظورات الجمالية السابقة، وانطلقت فى منطقة جديدة تعلمها أبناؤها من هؤلاء الذين رحلوا إلى أوروبا وعادوا، ومنهم عبدالرحمن شكرى على سبيل المثال الذى نقل إلينا فكر مجموعة الكنز الذهبى، فنقل إلينا الوهج الرومانتيكى الجديد، وكان تلامذته ومنهم عبدالقادر المازنى، والعقاد، وكثيرون غيرهم قد بدأوا يخوضون تجربة جديدة مختلفة عن السابق، لأن محور الاهتمام الشعرى انتقل من الآخر إلى الذات، حتى إن العقاد كان يهاجم شوقى بفجاجة، ويحاكمه من منظور رومانتيكى ناسيا أن شوقى ينتمى إلى فكر جمالى سابق، ولما كان هؤلاء الشعراء المجددون قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة، كان عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم، لأن النقاد فى الساحة الأدبية ينتمون لمرحلة سابقة.

إذن وبحسب الشاعر الدكتور أمجد ريان دائماً عندما يبدع الشعراء ويكتبون فى منطقة جمالية أخرى، لا بد عليهم أن يقوموا بالإبداع والتنظير معاً.