رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حصة علوم صباحية.. قصة قصيرة

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"


بريئة هي كفرخ صغير يتلمس أولى خطواته خارج مهده، يفرد جناحيه الصغيرين بحذر ثم يرفرف بهما على استحياء محاولا الطيران، رقيقة هي كوردة بلدية تفتحت لتوها، صُبغت باللون الأحمر خجلا حين لامس الندى شفيف بتلاتها، ثم ابتسمت بأمل لشعاع شمس دافىء لاح في الأفق من بعيد.
سكندرية أصيلة، لا تعرف رئتاها هواء صالحا للتنفس إلا نسيم جوها، لا يطرب أذنيها لحنٌ غير صوت أمواج بحرها، لا ينعشها أي عطر سوى رائحة اليود المنبعث من أجوائها.
مثلها ككل الفتيات لها قلب متلهف يبحث عن الحب وأحاسيس عطشى تنتظر ساقيها ومثلها ككل الفتيات أيضا تمتلك رادارا قويا يرصد مشاعر الاهتمام ومحاولات التقرب.
فهمت بذكائها لغة العيون وفكت شفرتها حين جمعتهما الحياة أخيرا، بدا وسيما، واثقا من نفسه، حلو اللسان ومهندم المظهر.
تعددت اللقاءات المدبرة المغلفة بستار الصدفة، كانت سعيدة يتراقص قلبها فرحا لكل هذه الصدف المخطط لها بعناية.
ثم حانت لحظة المصارحة فوجدته شهما نبيلا يطلب دخول البيت من بابه مما أثار إعجابها وإعجاب الأب أيضا حين اجتمع به وتجاذب معه أطراف الحديث فوجده إنسانا مسئولا.
طلبت من أبيها مهلة للتعرف أكثر عن قرب لتتأكد من تقارب الرؤى فيما بينهما، فطالما لمست بنفسها اختلافا عن مثيلاتها، فلديها عقل واع ولكن لديها أيضا قلب حالم ومشاعر رقيقة.
اتفقا على تناول قهوتهما الصباحية بكازينو أمام البحر بمنطقة الأزاريطة، تسعدها دوما الصباحات البحرية وتنعش روحها، بعد أن جاءتهما القهوة أخذت ترتشفها ببطء ناظرة من النافذة باتجاه البحر، لاحظ اهتمامها البالغ بالمنظر من حولها فسألها: فيما سرحت بخيالك ياترى؟
فأجابته: أعشق المنظر من حولي.
- منظر البحر؟
- ليس البحر فقط، إنها لوحة كاملة لها صوت وطعم ورائحة.
- ياااه! لهذه الدرجة؟!
- وأكثر، انظر جيدا وأمعن النظر ثم صف لي ما ترى، أريد أن أتعرف على رؤيتك وكيف التقط عقلك الصورة وكيف ستترجمها لكلمات.
- لا، أريد أن أسمع منك أولا، فمن الواضح أن لكِ رؤية شيقة.
- لك ذلك، أرى بحرا وسيعا بموج هادر يحمل في طياته الخير، بحر أحببناه دوما فأحبنا؛ لذا أبحر فيه ذلك الصياد الذي أمامك مبكرا ساعيا متوكلا على الله ولديه كامل اليقين في لطف ربه وجود البحر، أيضا تداعب عيوني هذه الطيور البيضاء التى تدثر صفحة الماء المتلألىء تحت شعاع الشمس الرحيم في هذا الصباح الشتوي المبهج.
فقاطعها وهو يرفع حاجبيه: رأيت كل ذلك من النافذة؟! أكملى.
- أشعر بالفخر وأنا أنظر لسور الكورنيش العتيق، لقد اهتز بخطى من سبقونا وسمع أحلامهم وشعر بالونس لضحكاتهم، ثم أنظر للقلعة التي تلوح من بعيد تقف شامخة ببهائها القديم رغم كل ما مر بها، أظنها إن تكلمت فسوف تحكي لنا حكايات السنين.
ما أجمل النخيل الملوكي بالجزيرة الوسطى في الطريق إنه باسق يشق السماء شقا، تتأرجح فروعه مبتهجة بالنسيم، وأخيرا أري ولدا وبنتا جالسين على السور وجوههما للبحر لديهما بالتأكيد قلبان أخضران يحتضنان أحلاما حلوة بطعم السكر.
- رأيت كل هذا حين نظرت من النافذة؟!
- وأكثر، والآن حان دورك لتخبرني عما ترى.
- ولكن رؤيتي مختلفة عنك كثيرا .
- وليكن، تفضل.
- إنني مشفق على هذا الصياد من قلة الرزق فقد بات بحرنا بخيلا على أمثاله وقد أتى هذا المسكين مبكرا وفي اعتقادى أنه لن يحظى إلا بالقليل.
أما عن القلعة فأعرف أن منظرها شامخ وعريق ولكنني أفكر دوما بأساساتها المهددة بسبب النحر فلابد من الوصول لحلول عاجلة كي لا نفقدها.
الولد والبنت الجالسان على السور يبدو عليهما حداثة السن، غالبا هما هاربان من المدرسة ويستحقان العقاب، والعلاقات في هذا العمر متهورة وغير جادة.
أما عن الطريق فهو مزدحم، مثير للأعصاب، أسف لأن المعركة بين سائق التاكسي والملاكي شغلتني عندما كنت تتحدثين، أعتقد سائق التاكسي هو المحق، ألا ترين ذلك؟
نعم تذكرت كنت تحدثين حينها عن النخل الملوكي، معك حق فى ذلك فأنا أعشق وقفته الشامخة، ثم إن ......
وقبل أن يكمل كلامه كانت تحمل فنجان قهوتها وتلملم حاجاتها وتتجه بعيدا لآخر منضدة بالمكان تاركةً إياه، فتبعها وسألها بصوت غاضب: لماذا غادرتِ بهذه الطريقة العجيبة وتركتني وحيدا بينما أتحدث؟
- أعتذر لأنني غادرت بهذه الطريقة لكنك أفسدت برؤيتك مذاق قهوتي فغادرت قبل أن تفسد عليّ ما تبقي من مزاجي الصباحي.
- كوني صريحة لقد انسحبتِ ليس لأني أفسدت مذاق قهوتك ولا مزاجك، لقد انسحبتِ لأنك اعتقدِت أن أحدنا غير لائق بالآخر لاختلاف الرؤى بيننا.
فاشتعلت وجنتاها خجلا وهي تجيب: نوعا ما.
- أنا أيضا أرى اختلافنا الآن وبشدة ولكن ذلك يسعدني وأجد أن هذا الاختلاف من الممكن بل هو بالتأكيد من أهم عوامل إنجاح علاقتنا.
- كيف ذلك؟
- لأن الحياة لابد أن يكون بها عدة عناصر تكاملية لتستقيم، فإن كانت رؤيتنا وحكمنا على الأمور من حولنا بهذه النظرة الحالمة التي تمتلكينها بجدارة أحسدك عليها فلسوف نقع بمشاكل جسيمة بالتأكيد، لأننا نحيا في الواقع وليس في حلم أو رواية رومانسية، وعلى النقيض فإن الإسراف في الواقعية الذي أتقنه شىء مرهق لي جدا ويوترني، لذا فنظرتك الحالمة للأمور من شأنها أن تهدئ الجو وتخفف عني الأرهاق الذهني وهو شىء محمود، رغم أنني أؤكد أن نظرتي الواقعية مطلوبة للحكم الجيد على الأمور فالدنيا أصبحت لا ترحم، وهناك شىء آخر، أتذكرين ونحن صغار عندما تعلمنا بحصة العلوم أن الأقطاب المتشابهة تتنافر والأقطاب المختلفة تتجاذب، لذا فمن الؤكد أن اختلافنا سيكون عاملًا من عوامل التقارب بيننا.
صمتك هذا أعتبره نوعا من الاقتناع بكلامي أم هو صمت تقييم ودراسة؟
- بالطبع هو صمت تقييم ودراسة، ولكن في المجمل كلامك يحترم، فلنعط أنفسنا فرصة أخرى للتقارب وأعتذر منك مرة أخرى لسوء تصرفي.
فأجابها ببرود: ولكن اعتذارك غير مقبول.
- ماذا؟
- كما سمعت، غير مقبول، والموقف بالنسبة لي حُسم وغير قابل لأي تقييم آخر، فقد غادرتِ وتركتني بطريقة مهينة لا أقبلها، طريقة جعلتني أشعر بعدم الأمان فمن يضمن أنك لن تتركيني عند أول خلاف بيننا وهو قادم لا محالة، فلا يوجد علاقة خالية من الخلافات، غير أني تأكدت من أنك إنسانة سريعة الحكم على الأمور، متقلبة المزاج وهذا لا يلائمني فأنا أريد أن أحيا في هدوء.
قاطعته في اضطراب وغضب: إذن لم ألقيت على مسامعي هذه المحاضرة الطويلة عن تكامل الرؤى، وأعدت عليَ حصة العلوم من المدرسة الابتدائية وأقطاب متشابهة وأقطاب مختلفة ما دمت قد حسمت أمرك؟
-أردت فقط أن أعلمك درسا تستعينين به في حياتك القادمة فأنا رغم كل شىء أعلم أنك ذكية وسوف تستفيدين من التجربة، شرفت بمعرفتك وأتمنى لك حياة سعيدة مستقرة مع من يتكامل معك وليس من يشبهك.
ثم همّ واقفا بعد أن دفع حساب القهوة تاركا إياها في غيظ وذهول.