رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لوجه الله

الكذب.. آفة من آفات السلوك الإنسانى.. عادة ما يلجأ إليه الإنسان إما للخوف.. أو ادعاء شىء غير موجود للشعور بالنقص.. لذا تأباه النفوس الكريمة.. ويترفع عنه الرجال.
لكن التاريخ الإنسانى سجل حالات شديدة الشذوذ والانحراف للكذابين.. حتى بلغ بالبعض ادعاء النبوة أو الألوهية.... فهو أول من يعلم بضعفه واحتياجة.. للطعام والنوم والشراب والاخراج.. ويتذكر جيدا كيف كانت امه تنظفه بعد قضاء حاجته.. ومع ذلك يجد بداخله من الجرأة والوقاحة أن يدعى أنه إله وأنه من خلق امه هذه وامها وكل البشر.. لكنه بالطبع يعجز أن يقول متى ولا كيف ولا اين خلق هؤلاء.. فهو أول من يعلم أنه كاذب.. بدءا بالنمرود ووصولا إلى آخر مدعى العصر.
حالة مرضية معقدة ومستفحلة لدى هؤلاء الكذابين.. فهو لا يكتفى بأنه كذب على نفسه ومن حوله فقط.. بل هو على أتم الاستعداد لقتل وحرق جميع من حوله إن لم يؤمنوا بكذبه ويهللوا له ويبادروا بالسجود.
علم النفس يرجع ذلك المرض المعقد إلى أسباب مختلفة تتراوح ما بين الاحساس بالتفوق كالنمرود الذى قتلته بعوضة.. أو إحساس بالضعف والحاجة للسيادة كالسامرى ومسيلمة الكذاب.. ويصف هذه الحالات بالاضطراب الوجدانى ثنائى القطب أو الفصام.
وعادة ما تتميز شخصية الادعياء بالجهل الشديد وضيق الافق وقلة المعرفة.. وإن حاولوا دايما اظهار العكس.. والتأكيد فى كل مناسبة على قدراتهم الخارقة واتصالهم بالسماء..
ورغم النهايات المأساوية لهؤلاء المرضى.. إلا أن جهل كل مدعٍ يحجب عنه ما حدث لسابقه وكيف كانت نهايته.. هينة ومهينة.. وكيف حوله التاريخ إلى أعجوبة ومحط للسخرية.. وكيف صار مضربا للمثل فى الجنون والتفاهة من حيث أراد الرفعة والعظمة.. ولا يعرف التاريخ الانسانى نهاية طبيعية أو سعيدة لأى من هؤلاء المدعين.. وقد عرفت مصر القديمة ثمانية ملوك ادعوا الالوهية.. وستة ملوك ادعوا أنهم ابن الإله.. كانوا جميعا فى عصر الهكسوس.. فبادت أمتهم بأكملها ولم يترك أثر لهم حتى يومنا هذا.
دفع الحسد والبحث عن الاحترام والتقدير مسيلمة بن ثمامة الحنفى لادعاء النبوة.. وظن أنه أعد نفسه جيدا لإيهام من حوله بقدراته الخاصة.. فأمضى سنين من عمره يجوب المواسم والأسواق.. سعيا وراء تعلم الحيل وألاعيب السحرة وخفة اليد.. التى سيبهر بها اتباعه من الجهلاء.. لكن لسوء حظه أنه عاصر نبيا حقيقيا.. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولأن الهوان مصير كل مدعٍ.. كان الشؤم والخذلان مصاحبا لمسيلمة فى كل فعل يقوم به.. سمع أن رسول الله بصق فى بئر ففاضت مياهها.. فقال لقومه سأفعلها.. فشرب من بئر لديهم.. جف ماؤها تماما.. وامتد نحسه إلى كل شىء مسته يداه.. حاول تقليد النبى الأكرم فقام وتوضأ ومسح رؤوس قومه.. فمنهم من قرع رأسه.. ومنهم من لثغ لسانه.. ودعا لرجل أصابه وجع فى عينيه فعمى الرجل.. وكان إذا دعا لمريض مات، وإذا شرب من بئر جفت.
والعجيب هنا لم يكن فى أمر ذلك المدعى المريض.. لكن فى اتباعه.. فقد صوروا خذلانه معجزات وكرامات.. فاعتبروا جفاف البئر كرامة وأمرا يستحق التقديس.. والتف حوله الاتباع حتى قتل وقتل اغلبهم فى موقعة اليمامة.. كذلك مدعية النبوة سجاح بنت الحارث التميمية.. استطاعت جمع ٤٠ ألف مقاتل خلفها.. وانتهى أمرها بواقعة أكثر خزيا وعارا مع مسليمة الكذاب.. الغريب فى أمر هؤلاء هو الاستماتة والمجاهدة فى الدفاع عن كذب وأطماع المدعى.. فإن كان اتباع المدعى يسعون لمكاسب دنيوية.. أو يحلمون بمال أو جاه من وراء ذلك الدجال.. فما الذى يدفع بمجموعة من نكرات العصر (أصحاب الكيانات المشبوهة فى الخارج).. لتقليب مزابل التاريخ لاخراج مسيلمة الكذاب من جديد.. ويقول أحدهم عنه.. إن مسيلمة ظلم.. وينفى كل ما روى عنه من مخازٍ.. بل ويصل بأحدهم الضلال إلى القول بأن مسيلمة لم يكن كاذبا وظلم لأن التاريخ يكتبه المنتصر.. وهكذا يستمر الافك ويبقى عبر العصور لا يكل ولا يمل فى التشويش على الحق ومحاربة أهله.. ليبقى الباطل والمبطلون فى مواجهة الخير إلى قيام الساعة.. فهى سنة الحياة وقانون الثنائيات.. خير وشر.. ليل ونهار.. حق وباطل.. أحرار وعبيد.. فإن تكاسل فريق علا الآخر وساد.. الأهم ألا يظن أهل الحق أن الحق وحده يضمن لهم البقاء.. طالما بقى بيننا اتباع مسيلمة.