عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نداء القلم:

العلم بالشيء غير المعرفة به، العلم كرؤية النار، والمعرفة كالاصطلاء بها، وعلمك بالشيء غير معرفتك به. يُعْلمنا القرآن أن رسول الله فينا، لكن مجرد العلم وحده لا يكفى وَصْلتنا برسول الله ما لم نعرفه، وكيف نعرفه، لتتحقق بأنه صلوات الله وسلامه عليه فينا، إذا نحن تحققنا بذلك عرفنا، وإذا توقفنا عند مجرد العلم وكفى بأنه فينا لم نعْرفه، إذ الفرقُ شاسع بين العلم والمعرفة.

المعرفة تحقيقُ يرتد إلى تجربة واختبار، والعلم برانيّ مجرد خبر، والمعرفة جوانيّة يلزمها التحقيق. أعطاك القرآن الخبر فقط، أمّا التحقيق فجهودك نحو العمل والممارسة ومباشرة السلوك للتحقيق من هذا الخبر أو ذاك، إذا تمّ لك ذلك فقد عرفت، كما يقول تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، مجرد خبر، لا يتحقق إلا بالمعرفة، إذ ذاك تعرف الله إذا تمّ لك التحقيق.

 دار حوار بين مريد وشيخه، والشيخ كالمعلم يقسو أحياناً على من يرحم، لكنها قسوة الرحمة تقود نحو المعرفة، وتؤدى إلى التحقيق، فإذا المريد يقول شيخى : إننى أصلى كل يوم بأعدادٍ كبيرةٍ على خير البريّة، ولم أبلغ مُرادى من الدخول على حضرته، فدُلنى كيف الوصول إلى الحضرة المحمديّة؟

الشيخ : الوصول هو أن تنقل نفسك من حكم العادة إلى بحر الأشواق .. كيف؟

الشيخ : أكثر الذين يصلون على النبى كل يوم، صلاتهم تقع تحت حكم العادة، بمعنى أن ألسنتهم اعتادت كثرة الصلاة عليه، وهذا أمر طيب جامع للحسنات ومُذهب للسيئات، وفيه يقول سيدنا رسول الله (أقربكم منى مجلساً يوم القيامة أكثركم عليّ صلاة).

غير أن حكم العادة هذا، هو العلم الذى يفتقر إلى جهود التجربة، ليتحول العلم من مجرّد الخبر إلى يقين المعرفة، ولكن هل ننتظر ليوم القيامة يأتى لكى نعرف حضرته، وماذا عن الدنيا إذن؟ ألا نحتاج الى القرب من حضرته الشريفة فى دنيانا هذه، ثم ماذا عن الذنوب التى نقترفها صباح مساء، وعن الهموم التى تعانقنا كما يعانق السّهاد غسق الليالى الطوال؟

يستمع الشيخ المعلم الى مريده ثم يقول: اتريد قرباً من حضرة النور، فالقربُ يا ولدى يتمُّ عن طريق صلاة الشوق إليه، وهى أن تصلى عليه بأية صيغة تحبها شريطة ألا تكون بتراء، أى مجرّدة عن ذكر الآل عليهم الصلاة والسلام، وبأى عدد حتى لو كان العدد قليلاً، ليس المهم فى العدد بل فى المدد. المهم فيها هو الارتباط، والوصلة، والحضور، والانشغال، ورؤيتك له على الدوام : استحضار شمائله الشريفة وخصاله العفيفة فى مخيلتك على الدوام.

خذ مثلاً: كل يوم مائة مرة فقط صلاة عليه، ولكن استشعر معيته فى كل حال، وأنك تراه معك فى بيتك، معك فى عملك، معك فى الطريق الذى تسير فيه، معك بين الناس، معك فى خلوتك الخاصّة، معك فى كل زمان ومكان، معك عندما تأكل وتشرب وتنام.

أملأ خيالك به واستشعر أنه لا يفارقك أبداً، وأجعله حاضراً فيك، استشعر أنه يعلم كل حركاتك وسكناتك فهو فيك حسّاً ومعنى كما جاء ذلك فى الكتاب العزيز (واعلموا أنّ فيكم رسول الله)، فكر فيه على الدوام، واستشعر أنه ينظر إليك بوجهه الجميل المشرق الوضاء. استشعر أنك تخاطبه ويخاطبك، فهو يرد عليك لأنه كريم الأخلاق يرد على كل من يكلمه، استشعر أنه أقرب الخلق إليك وأكثر الناس خوفاً عليك ومحبّة لك (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم، حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

مكّن خاطرك منه، واستشعر أنه أمامك، وعلى يمينك، وفى كل اتجاهاتك، وإنك إذا هممت بمعصية لاحظت أنه معك، فتستحى من جنابه الشريف فتمتنع عن فعلها إجلالاً لحضرته وكرامة لحضوره الشريف.

استشعر أنه يراعيك لحظة بلحظة، إذا أخطأت أستغفر لك، وإذا أحسنت حمد الله على إحسانك، لأنه هو الراعى الأعظم فى الكون، فهو الذى قال: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) ونحن رعيته، بل نحن به إمداداً، وهو من الله استمداداً، النبيُّ يستمدُ من الله مباشرة، ونحن نستمدُ منه، هو من الله ونحن بالنبيّ، وهو أولى بك منك، (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، لولاه لم تخرج الدنيا من العدم. استشعر أن جميع الموجودات تخاطبه، (السلام عليك سيدى يا رسول الله)، وهو يسمع، وهو يرد السلام.

صلى عليه بهذه الكيفية دائماً، لتشرق عليك أنوار الشوق إلى جنابه الشريف، ولتصب على قلبك أسرار الاشتياق إليه، وتفيض أعينك بالدمع ممّا عرفت، فتلك هى بدايات معرفة سيدنا محمد وإلا فأنت لا تعرف عنه شيئاً فيما لو كانت أشواقك إليه قليلة أو ضعيفة.

هنالك تعرفك الملائكة ويبلغوا سيدنا رسول الله بك، فيعرفك باسمك ويمدُّك بأنواره وأسراره، ويصدر الأمر من الحبيب الأعظم أن (قرّبوا فلان من حضرتي)، فيتم لك الوصل والاجتماع ويعطيك ما تتمنى من العلم والمعرفة والأنوار والأسرار.

ذلك هو بحر الشوق والغرام الرقيق، فمن صلى على النبيّ بهذه الكيفية ما بين شوق واشتياق، وصل إلى الحضرة المحمديّة فى أقرب وقت ونال السعادة فى الدنيا والآخرة.