رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من حق انسان هذا العصر أن يعيش القلق الوجودى السارترى بحق ؛ فإن كان جان بول سارتر المتوفى عام 1980 م قد كتب عن «النظرة»، نظرة الآخر لى واعتبر أنها تحد من حريتى كفرد ، ومن ثم نظر الى الآخر باعتباره الجحيم وباعتباره الصخرة التى تتحطم عليها ارادتى وحريتي، فلنتخيل ماذا كان سيقول لو عاش أيامنا هذه وشهد التطورات التكنولوجية المعاصرة التى أصبح فيها الفرد محاصرا ليس فقط من نظرات الآخرين له فى الشارع أو فى أماكن العمل ، وليس فقط مراقبا بعيون أجهزة المخابرات البشرية ، بل أصبح مراقباً بإرادته ويكشف أسراره كلها للآخرين بمجرد أن يشترى هاتفا ذكيا أو جهاز كمبيوتر كالذى أكتب عليه الآن ! ان كل بياناته الشخصية وكل تحركاته اليومية، بل ربما كل كلمة قالها أو يقولها دون قصد أو كل ايماءة يمينا أو يسارا قد تم تسجيلها ان لم يكن بكاميراته الشخصية على هذه الأجهزة فإن كل الشوارع والمتاجر والأماكن العامة والخاصة مزودة بتلك الكاميرات الذكية ، ولم يعد مستبعدا أن تكون لهذه الكاميرات عيونا فى الفضاء الخارجى بل وفى البحار والمحيطات تراقبنا وترصدنا من مختلف الزوايا ! لقد أصبحت كل دقائق حياتنا متاحة لمن يهمه الأمر ببساطة ودون تعقيدات ودون اذن نيابة أو ما شابه ! 
وقد صدق الفيلسوف الأمريكي  لانجدون وينر حينما كتب عام 2014م مقالا عن مستقبل فلسفة التكنولوجيا قال فيه «إن القنوات الخلفية التى أنشأها موقع جوجل وغيره من عمالقة الانترنت بالتعاون مع وكالة الأمن القومى تجعل المكالمات الهاتفية وتصفح الويب والبريد الالكترونى والأنشطة الأخرى التى تتمحور حول الانترنت للجميع مرئية للسلطات الحكومية دون أى قيود أو رقابة قانونية !، فالقوانين التى من المفترض أن تحمى حقوق وحريات المواطنين تنتهك بانتظام وبسرية عندما تناسب أغراض المنظومة التى تمزج الآن بين سلطة الحكومة والشركات»، وقد صدق أيضا خبراء وادى السيليكون الذين يدرسون الأنظمة الجديدة لأمن أنظمة الكمبيوتر حينما قالوا إن العلاقة الفعلية الناشئة فى « عصر الحوسبة السحابية «ترقى إلى نوع من الاقطاع الذى يبحث فيه الأفراد الضعفاء عن مأوى فى عالم من شركات المعلومات الكبيرة التى تعمل كأسياد فى المجال!. فى الأحوال العادية لا يتمتع كل مستخدمى الكمبيوتر بأى سلطة حقيقية على الشركات التى تدير البيانات الخاصة بهم.. ان المشاركين فى الشبكة عاجزون ويجدون أنفسهم خاضعين تماما لأسياد العالم الجدد!
حقا لقد أصبح جميع البشر فى ظل هذا العصر التكنولوجى الجديد أسرى خاضعين أمام أسياد العالم الجدد ولا يملكون من أمرهم شيئا اللهم الا بما يسمح ويرضاه هؤلاء الأسياد الجدد ، والويل لمن يحاول التخلص من هؤلاء الأسياد أو مخالفتهم فى أى أمر يطلبونه !! ويبدو أنه بات ضروريا أن نتساءل عن الأبعاد السياسية لهذا العصر الجديد الذى لم تعد السلطة الحقيقية فيه للساسة أو الحكام بقدر ماهى فى يد صناع هذه التكنولوجيا ؛ فان شاءوا سمحوا وان شاءوا منعوا ! ان شاءوا حافظوا على وجودنا وأسرارنا وان شاءوا قضوا علينا أو فضحونا!! 
إنه حقا عصر مابعد الانسان، عصر تحكم الآلات وصناعها ، بل ربما هو عصر الآلات وحدها حينما ستنجح الروبوتات  فى عصر الذكاء الاصطناعى فائق الجودة من تعظيم قدراتها ومن تطوير ذاتها باستقلال عن عالم البشر! فعن أى حرية شخصية  تتحدثون أيها البشر السذج؟! وأى حقوق لكم  فى الاستمتاع بحياة خاصة تخصكم وحدكم؟! 
لقد كان ادوارد سنودن الذى سرب بعض ما تعلمه عن وكالة الامن القومى الأمريكية وأنظمة معلومات الشركات فى قمة الصدق حينما قال « لا أريد أن أعيش فى عالم يتم فيه تسجيل كل ما أقوله وكل ما أفعله وكل شخص أتحدث اليه وكل تعبير عن  الابداع أوالحب أو الصداقة !». وأنا أشعر بنفس مشاعره ؛ فمن منا أدرك بوضوح  معنى ماقاله  فيما سبق ويتصور أنه يعيش حرا أو مستقلا! ومن أين يشعر الانسان بالسعادة والحرية وقد أصبح مستباحا وكأنه يعيش عاريا وسط عرايا فى غابة من الشبكات العنكبوتية تكاد أن تخنقه دون رحمة وبلا سابق انذار! 
انها حقا حياة خلت أو تكاد من أى قيمة ومن أى خصوصية ومن أى جمال ولا حول ولا قوة الا بالله!!!