عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لعل من أمتع ما قرأت من كتب التراث العربى الإسلامى مؤلفات أبو حيان التوحيدى المتوفى 403 ه، الذى كان فيما يقول مؤرخو حياته متفننا فى جميع العلوم، صوفى السمت والهيئة، لدرجة أنهم اعتبروه شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة ومحقق المتكلمين ومتكلم المحققين وإمام البلغاء الذى لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومكنة، وكان مع كل ذلك فقيها صحيح العقيدة متبحرا فى العلوم والمعارف، والطريف أنه مع كثرة ما صحب من ذوى السلطان وأصحاب النفوذ فى عصره، عاش حياته رقيق الحال مشرد الفكر قلق الركب لا يكاد يستقر فى مكان!. ولقد كتب هذا الرجل الموسوعى عدة مؤلفات التزم فى عرضها طريقة التناظر والتحاور وأسلوب المحاضرة والمسامرة وجاءت كلها بعيدة عن التكلف والتعسف بريئة من اللبس والغموض. والكثير من هذه المؤلفات تكاد تدخل فيما نسميه اليوم بالفلسفة التطبيقية، ولعل أشهرها بالإضافة إلى الكتاب الذى اتخذناه عنوانا لهذا المقال، كتاب الامتاع والمؤانسة ،ورسالة الصديق والصداقة، والمحاضرات والمناظرات، ورياض العارفين، وفى ثمرات العلوم؛ ففى هذه المؤلفات وغيرها كان أبوحيان التوحيدى ممتعا لقارئه قادرا على إبهاره بحسن العبارة وعمق المعنى فضلا عما تمتع به من شمولية الثقافة وعمق الفكر لدرجة يمكن القول معها إنه كان بما كتب يمثل ويعكس صورة القرن الرابع الهجرى الذى عاشه كاملا تقريبا ودلالة على ما كان بذلك العصر من تيارات فكرية متباينة. ولعل من أمتع وأعمق ما كتب فى «المقابسات» تلك العبارات الجامعة المانعة حول الأخلاق الجامعة للفضيلة التى إن سلك الفرد وفقا لها متحليا حق التحلى بها جمع بين خير الدنيا وحسن الجزاء فى الآخرة وقد حصرها فى خمس عشرة خصلة هي: «ايثار الخير على الشر فى الأفعال، والحق على الباطل فى الاعتقادات، والصدق على الكذب فى الأقوال، ذكر السعادة وأن تحصيلها يكون باختيار دائما وكثرة الجهاد الدائم لأجل الحرب الدائمة بين المرء ونفسه، والتمسك بالشريعة ولزوم وظائفها، وحفظ المواعيد حتى تنجزها، وقلة الثقة بالناس بترك الاسترسال، ومحبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك، الصمت فى أوقات حركات النفس للكلام حتى يستشار فيه العقل، والإقدام على كل ما كان صوابا، والإشفاق على الزمان الذى هو من العمر ليستعمل فى المهم دون غيره، ترك الخوف من الموت والفقر بعمل ما ينبغى وترك الدنية، ترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد لئلا تشتغل بمقابلتهم والانفعال لهم، حسن احتمال الغنى والفقر والكرامة والهوان بجهة وجهة، ذكر المرض وقت الصحة والهم وقت السرور والرضا عند الغضب ليقل الطغى والبغى، قوة الأمل وحسن الرجاء والثقة بالله تعالى وصرف جميع البال إليه فإذا يسر الله تعالى إصلاح نفسه بما جاهد عليه تفرغ بعد ذلك إلى إصلاح غيره.. وعلامة ذلك أنه لا يبخل على أحد بنصيحة ولايمنع أحدا رتبة يستحقها، ولا يستبد دون الأخيار بما يتسع له..». وإذا ما نجح الفرد فى تحصيل هذه الفضائل ورفعت عنه – فيما يضيف أبو حيان- العوائق والموانع، صار من أولياء الله الفائزين وأنصاره الغالبين وعباده الآمنين الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.. أن من جعل هذه نبيلة صدره وعقيدة سره ووسيلة بينه وبين ربه – على حد تعبير أبو حيان – فهو الفيلسوف الحق المبرز المحقق. لقد كشف التوحيدى فى هذه المقابسة رؤيته الجامعة المانعة للخلق الصالح وطريق النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة، وحق له أن يقول فى المقابسة التالية « الحق بين منهاجه، ومنير سراجه ومعقول بيانه ومعلوم برهانه، من استضاء به أفلح ومن سلك سبيله نجح «!ولله در أبو حيان التوحيدى، وما أجدر بنا ونحن فى عصر تدهورت فيه أخلاق البشر وانقلب فيه سلم القيم، أن نعيد قراءة هذه النصوص الرائعة وأمثالها لفلاسفة القيم الأوائل لعلنا نستعيد ماضاع من إنسانيتنا فى عصر التكنولوجيا والسوشيال ميديا والميتافيرس !