رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طلة

لست ممن يتربصون بالمشاهير, وأتعجب من التعامل مع كل تصريح لشخص مشهور باعتباره سببا وجيهًا لمهاجمته عمَّال على بطَّال, المشاهير فى النهاية بشر عاديون من حقهم الضحك والهزار وحتى الخطأ. ليست مشكلتهم أننا نضفى أحيانا عليهم قدسية تعصمهم من وجهة نظرنا من الخطأ, لكن المشكلة الحقيقية فى أن المجتمع بشكل عام أصبح فى حالة تحفز غريب ضد أى مشهور فى مجاله سواء كان لاعب كرة أو مطربا أو فنانا باعتبار هذه الفئات هى الأكثر شهرة حاليًا. وبدون تمييز أو حتى معرفة سياق الكلام الذى نطق به هذا أو ذاك ترى هجوما رهيبا على هذا الشخص على جميع وسائل السوشيال ميديا فى ظاهرة تشير إلى خلل واضح فى سلوك المجتمع المصرى منذ فترة ليست بالقصيرة ومستمر فى تصاعد غريب ينبئ عن خطر مجتمعى لو لم ننتبه ونعالج أسباب تلك الظاهرة المقيتة.
فى هذا السياق أعترض بشدة على ما يتعرض له المطرب أحمد سعد منذ أيام عندما تحدث عن شقيقه عالم الفيزياء سامح سعد. المطرب تحدث بشكل عفوى عن شقيقه الذى يكن له بالطبع كل احترام وتقدير وقال ضاحكًا إنه الوحيد الذى فشل فى حياته ولم يحقق أمولًا كما حقق هو وشقيقهما الثالث الفنان عمرو سعد. كلنا عندما نقارن بين دخل أى ممثل أو لاعب كرة بدخل أستاذ الجامعة مثلا أو عالم من العلماء نسخر من تلك المفارقة الكبيرة بين مستويات الدخل. جسد ذلك منذ زمن طويل عادل امام فى مسرحية مدرسة المشاغبين عندما سخر من مدرسته الحاصلة على دكتوراه فى المنطق الذى أضاعت عمرها فى تحصيله (حسب رؤية بهجت الأباصيرى) لتحصل على مرتب جنيهات قليلة, فقالت له كلمة حكمة إن العلم لا يقدر بمال، وهى العبارة التى صاغها بهجت بأسلوبه لتصبح العلم لا يكيل بالبتنجان, وهى نفس العبارة التى أعاد صياغتها اللمبى بأسلوبه الخاص عندما قال ان الجنيه غلب الكارنيه. لتصبح قولًا مأثورا يعكس واقعًا أليما يقارن بين سطوة المال التى لا يقف أمامها شيء وبين سطوة العلم التى لم تعد تضمن لصاحبها الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
مشكلة المطرب أحمد سعد أنه نكأ دون أن يقصد جرحًا غائرًا لا تعانى منه بلادنا فقط بل وكثير من بلاد العالم خاصة العالم الثالث، بينما تجاوز العالم الأول تلك المعضلة منذ زمن بعيد, بل انه لم يصبح عالمًا أول إلا بتقديره للعلم والعلماء ووضعهم فى المكانة التى يستحقونها، حيث إنهم القاطرة الحقيقية لتقدم أى مجتمع. ولم تقبع مجتمعاتنا فى ذيل الأمم إلا بتلك الآية المعكوسة التى جعلت دخل أى راقصة درجة ثالثة أعلى من دخل أستاذة الجامعة وجعلت دخل المدرس الشهرى لا يصل ولا حتى ربع ما يحصل عليه يوميًا مطرب درجة عاشرة يغنى وراء « عالمة» من عينة زبيدة وجليلة فى ثلاثية نجيب محفوظ الخالدة. ومع ذلك أنا واثق أن عالمًا بحجم سامح سعد بعد كل ما قرأت عنه وعن إنجازاته لن يرضى بغير طريق العلم طريقا حتى لو عاد به الزمن للوراء, كما أننى على ثقة أن الرجل لا يحسد شقيقيه على ما حققه الفن لهما من شهرة وتوابعها من مال وسطوة، فالرجل تتمناه كبريات المؤسسات العلمية فى اليابان وفى الولايات المتحدة ومع ذلك اختار أن يعود لمصر ليحقق حلما كبيرا مع العالم الراحل أحمد زويل والذى توقف مشروعه بعد وفاته لكن حلم سامح سعد لم يتوقف وأصر على البقاء فى مصر مكافحًا لتحقيقه مؤمنًا أنه فى النهاية لن يصح إلا الصحيح حتى وإن طال الزمن.
[email protected]