عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

بداية هذا العنوان ليس من عندى بل هو عنوان أحد رسائل الإمام أبوحامد الغزالى المتوفى 505 هـ الفلسفية وهذه الرسالة على صغرها تكاد تلخص رؤية الغزالى العبقرية فى التوفيق بين الطريقين الفلسفى العقلى والصوفى الوجدانى بلغة بسيطة مقنعة لا يخطئها إلا جاحد أو غير منصف؛ فقد بدأها بالحديث على طريقة فلاسفة اليونان الكبار سقراط وأفلاطون وأرسطو عن ضرورة معرفة جوهر النفس الإنسانية مؤكداً أن من عرف نفسه عرف ربه، ونفس الانسان عنده من شيئين: القلب والروح، والنفس مركب القلب، وللقلب عساكر كما قال سبحانه «وما يعلم جنود ربك إلا هو» والقلب مخلوق لعمل الآخرة طلباً لسعادته، وسعادته فى معرفة ربه عز وجل، ومعرفة ربه تحصل له من صنع الله وهو من جملة عالمه، ولا تحصل له معرفة عجائب العالم إلا عن طريق الحواس، والحواس من القلب والقالب (أى الجسم) مركبه، والمركب لا يقوم الا بالطعام والشراب.. ولدينا نوعان من العسكر؛ العسكر الظاهر وهم الشهوة والغضب ومنازلهم فى اليدين والرجلين والعينين والأذنين وجميع الأعضاء، والعسكر الباطن ومنزلهم فى الدماغ وهى قوى الخيال والفكر والحفظ والتذكر والوهم ولكل قوة من هذه القوى عمل خاص فإن ضعف واحد منهم ضعف حال ابن آدم فى الدارين (أى الدنيا والآخرة)!

وهنا يكون السؤال: ماعلاقة ذلك بالسعادة وكيميائها؟! 

إن تمام السعادة فى رأى الغزالى مبنى على أشياء ثلاثة هى قوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العلم، ويحتاج المرء لتمام سعادته إلى أن يكون الأمر لكل منها متوسطاً بمعنى ألا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الحمق فيهلك، فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العدل (عن طريق اعمال العقل والعلم ) دل على طريق الهداية وسلك الطريق المستقيم.

والطريف أن الغزالى يقرن بين السعادة واللذة ويرى أن سعادة كل شىء هى لذته وراحته وهى تكون بمقتضى طبعه؛ فلذة العين فى الصور الحسنة ولذة الأذن فى الأصوات الطيبة وكذلك سائر الجوارح. فماذا اذن عن لذة القلب؟!

أن لذته الخاصة هى بمعرفة الله سبحانه وتعالى لأنه مخلوق لها، فالمرء إذا وقع فى معرفة الله سبحانه وتعالى فرح بها، ولم يصبر عن المشاهدة لأن لذة القلب– كما قلنا – المعرفة وكلما كانت المعرفة أكبر كانت اللذة أكبر، وهى كمعرفتك بالوزير والملك فإن فرحك بمعرفة الأخير هى الأعظم فرحاً والأكثر لذة! وليس هناك موجود أعظم أو أشرف من الله سبحانه وتعالى لأن شرف كل موجود به ومنه وكل عجائب العالم آثار صنعته فلا معرفة أعز من معرفته ولا لذة أعظم من لذة معرفته وليس منظر أحسن من منظر حضرته. وكل لذات وشهوات الدنيا متعلقة بالنفس وهى تبطل بالموت، أما لذة معرفة الربوبية وهى متعلقة بالقلب فلا تبطل بالموت لأن القلب لا يهلك بالموت بل تكون لذته أكثر وضوؤه أكبر لأنه خرج من الظلمة إلى النور. 

لقد خرج بنا الغزالى هنا من لذة المعارف الحسية والعقلية الدنيوية إلى لذة المعرفة بحقيقة الذات الإلهية وهى المعرفة الأعز والأشرف والأكمل، هى معرفة القلب الذى لم يوهب للإنسان الا ليصله بمعرفة الذات الإلهية وجلالها، فإن لم تطلب أيها الانسان هذه المعرفة الأسمى وغفلت عنها وضيعتها كان ذلك – فيما يقول الغزالى فى نهاية رسالته البديعة – حسرة عظيمة عليك يوم القيامة!

ولذلك فهو يطالبنا بالاجتهاد فى طلبها وترك أشغال الدنيا كلها من أجلها والمعنى هنا أن تترك أشغال الدنيا بقلبك لا أن تترك عملك وتعطل مقومات حياتك كما يظن عامة المتصوفة من الناس! ان الغزالى يعتبر إذن أن الشعور الحقيقى بالسعادة لايتأتى الا بأمرين؛ الأول أن تحيا حياتك الحسية والعقلية منشغلاً بتدبير وسائل السعادة الدنيوية باعتدال وعقلانية، والثانى أن يظل قلبك معلقاً به سبحانه وتعالى فتتقرب اليه بالعبادات والنوافل متأسياً بحياة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) فى كل أفعاله وأقواله. وفى النهاية فكل شرف لم يظهر لك فى الدنيا فستراه فى الآخرة فرح بلا غم، وبقاء بلا فناء، وقدرة بلا عجز، ومعرفة بلا جهل وجمال وجلال عظيمان! تلك هى كيمياء السعادة الحقيقية للإنسان العاقل المؤمن، العارف بالله حق المعرفة.

[email protected]