عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

إن شهر رمضان يقودنى دائماً إلى أمرين، زيادة جرعة التفرغ للعبادة وقراءة القرآن الكريم، والعودة إلى قراءة بعض كتب التراث التى تتماس مع الفلسفة والفلاسفة، ولقد بدأت رمضان هذا العام بقراءة كتاب أبوالحسن الماوردى المتوفى عام 450 هـ «أدب الدنيا والدين»، ويعد هذا الكتاب واحداً من أهم ما كتب الماوردى الذى كان فيما يبدو قليل الإنتاج حيث إن ما بقى لنا منها اثنا عشر كتاباً منها الدينية ومنها اللغوية والأدبية وأهمها بالنسبة للمتخصصين فى الفلسفة الكتب السياسية والاجتماعية وخاصة كتابه الأشهر «الأحكام السلطانية» الذى احتوى على رؤيته الشاملة للأسس التى تقوم عليها الدولة ونظامها السياسى والإدارى..إلخ.
وقد لفت انتباهى أنه بدأ كتابه الذى بين أيدينا بما قاله فى التمييز بين العقل والهوى والطريف أنه أعلن موقفه من البداية، حيث جاء حديثه تحت عنوان «فى فضل العقل وذم الهوى» حيث اعتبر أن العقل أس الفضائل وينبوع الآداب ومناط التكليف، ورغم أنه عدد أنواعاً كثيرة للعقل ومنها ما أطلق عليه العقل الغريزى، الا أنه هاجم الغريزة باعتبارها أصل الشرور وبداية الهوى بينما اعتبر الخير والدين من موجبات العقل واستشهد بأبيات تنسب للإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول فيها: 
إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها 
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف ساديها
والسؤال هنا، لماذا مدح الماوردى العقل وذم الهوى؟ والإجابة التى جاءت على لسانه تقول «أما الهوى فهو عن الخير صاد وللعقل مضاد لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهلوكاً ومدخل الشر مسلوكاً»! وقد عدد الكثير من الأقوال التى بنى عليها رؤيته تلك منها قول ابن عباس رضى الله عنه «الهوى إله يعبد من دون الله» المؤيد من وجهة نظر صاحبه بالآية الكريمة «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه» وقيل إنه روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قوله «طاعة الشهوة داء وعصيانها دواء» كما روى عن على بن أبى طالب قوله «أخاف عليكم اثنين: اتباع الهوى وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الأمل ينسى الآخرة».
ولدى البلغاء العرب: إنما سمى الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه، وقد قال أعرابى «أن الهوى هوان»! وقال آخر «إن الهوان هو الهوى قلب اسمه.. فإذا هويت فقد لقيت هوانا»، وقال ثالث «من أطاع هواه أعطى عدوه منتهاه»!
وقد ربط الماوردى بين الهوى والشهوة رغم تمييزه بينهما بقوله: هناك فرق بين الهوى والشهوة مع اجتماعهما فى العلة والمعلول واتفاقهما فى الدلالة والمدلول، وهو أن الهوى مختص بالآراء والاعتقادات والشهوة مختصة بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى، وهى أخص والهوى أصل وهو أعم! 
والطريف أن الماوردى ختم حديثه عقب هذه التمييزات بالدعاء لنفسه قائلاً: نسأل الله أن يكفينا دواعى الهوى ويصرف عنا سبل الردى، ويجعل التوفيق لنا قائداً والعقل لنا مرشداً!! 
والأكثر طرافة أنه ختم الكتاب كله قائلاً: فكن أيها العاقل مقبلاً على شأنك، راضياً عن زمانك، سلماً لأهل دهرك جارياً على عادة عصرك، منقاداً لمن قدمه الناس عليك.. واستشهد بقول الشاعر: إذا اجتمع الناس فى واحد.. وخالفهم فى الرضا واحد، فقد دل إجماعهم دونه.. على عقله أنه فاسد.
وثمة أسئلة محيرة هنا منها: لماذا شغل الماوردى نفسه وهو ليس رجل علم ومنطق بالتمييز بين العقل والهوى؟ ولماذا اعتبر الهوى مذموماً! أليس الهوى لون من ألوان العاطفة؟ ومن العاطفة ما هى عواطف سامية ترقق القلب وتهفو به نحو المحبوب، وقد يكون المقصود بالمحبوب هنا الله أو رسول الله؟! وهل كل الهوى غواية وشر أم فيه احتمال أن يكون نحو الخير والمحبة لكل الوجود والموجودات، وهذا من المحمودات التى تطلب من المؤمن الحق؟! هل الماوردى مع العقل أم ضده؟! واذا كان مع العقل فكيف يفقد الثقة فيه مطالباً صاحب العقل الراجح أن يكون راضياً عن وضعه وخاضعاً ومسلماً لأهل زمانه منقاداً لمرؤوسيه وعادات العوام؟! وإذا كان من مناصرى العقل فعلاً، فكيف يقر بفساده ويجعله فاسداً لمجرد أن صاحبه قد يخالف الإجماع وقد يكون إجماعاً على خطأ؟! 
كل تلك أسئلة تلقى بظلالها على قارئ هذا النص للماوردى وربما كانت تلك هى الأسئلة التى حيرت معاصريه ودارسيه فلم يستطيعوا تصنيفه؛ هل كان معتزلياً أم لا؟ هل كان فقيهاً مقلداً أم مجتهداً؟! أفضل أن أترك الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها للمختصين والدارسين.