رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الدم غالى والتراب غالى

الشهيد البطل العميد أحمد عبدالمحسن أسد سيناء

بوابة الوفد الإلكترونية

الطبيبة رشا زوجة الشهيد تروى عشقه لسيناء وقتاله ضد مرتزقة الإرهاب

الشهيد بعد إصابته الأولى: «هو أنا اتشركت لسه يا رشا سينا محتاجانى»

حدث زملاءه من المستشفى بعد إصابته فى كرم القواديس: «متقلقوش يا أبطال مش هيقدروا يلمسوا ضافر عسكرى مننا أنا هرجعلكم فى أقرب وقت»

قال لطبيب زميلى بالمستشفى: «ترضى بعد 6 سنين جهاد أموت على سريرى» 

كرمه الرئيس السيسى فى حياته لبسالته فى سيناء.. وحج إلى بيت الله

 

تراب مصر غالى، ودم خير أجناد الأرض غالى، الدم غالى والتراب غالى، وسيظل خير أجناد الأرض من قواتنا المسلحة الباسلة هم صمام الأمان للدفاع عن الأرض والعرض، وعدم المساس بحبة تراب من أرض مصر الحبيبة، وستظل تضحيات هؤلاء الابطال تاجاً على رأس كل مصرى، وستظل مصر تخلد ذكرى هؤلاء الأبطال فى ٩ مارس من كل عام، والذى يوافق ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم الرياض (الجنرال الذهبي)، وليأتى اختيار يوم 9 مارس من كل عام ليكون يومًا للشهيد تأكيدًا على أن جميع أفراد القوات المسلحة بدءًا من السيد القائد العام للقوات المسلحة وحتى أحدث جندى على قلب رجل واحد يتمنون الشهادة حيث إن الفريق أول عبدالمنعم رياض ضرب أروع مثال على ذلك بالرغم من كونه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة فى ذلك الوقت إلا أنه كان دائمًا فى الصفوف الأمامية تأكيدًا على تلاحم القائد مع جنوده فى الميدان الأمر الذى أدى إلى استشهاده ومن هنا جاء اختيار 9 من مارس من كل عام ليكون يومًا تحتفل به مصر بذكرى شهدائها الأبطال واتخذت من استشهاد سيادته رمزًا وتأكيدًا على أن نيل الشهادة شرف يتوق له جميع قادة وضباط وصف وجنود القوات المسلحة، وهذا ما نراه جليًا اليوم من حرص وتسابق أبطال القوات المسلحة لنيل شرف الشهادة فى سبيل الدفاع عن الوطن والقضاء على الإرهاب الأسود، وفى هذه الذكرى العطرة نروى للشعب المصرى اليوم حكاية من منزل البطل العميد أحمد عبدالمحسن، أحد مقاتلى سيناء الشجعان الذين استشهدوا لتبقى مصر حرة مستقلة من مرتزقة سرقة الأوطان، وتروى زوجته الطبيبة رشا كيف كان البطل يعشق القتال فى سيناء، وكلمته الشهيرة لها حينما طالبت بانتقاله إلى مكان آخر غير سيناء «هو أنا اتشركت لسه يا رشا سينا محتاجاني».. كلمات قليلة ولكنها تحكى كيف كان هؤلاء الأبطال يعشقون تراب مصر، ولا يفكرون فى أى شىء سوى دحر هذا الإرهاب الغاشم للمرتزقة الذين حولوا سيناء إلى ساحة حرب لكسر ظهر الوطن، ولكن هيهات كانوا أبطال مصر لهم بالمرصاد حتى طهروا كل شبر فيها بتضحيات كبيرة فداء للوطن مصر.

مشوار حياة الشهيد

وتقول الدكتورة رشا زوجة الشهيد العميد أركان حرب أحمد عبدالمحسن: بدأت قصتنا منذ زمن كبير حيث إن والدى كان صديق والد أحمد بشدة ووالدة أحمد التى توفيت عندما كان عمره 12 عاما صديقة والدتى، وعندما كنت فى الثانوية العامة بدأ أحمد فى التلميح لوالدتى بحبه لى، لكنى كنت طالبة متفوقة وليس فى عقلى أى شيء غير المذاكرة، وعندما انتهيت من الثانوية العامة تمت خطوبتنا رسمى واشترط والدى الانتظار 6 سنوات حتى نتزوج، وبطبيعة أى ضابط جيش كان طوال الوقت مسافراً مما جعلنا لا نلتقى كثيرا طوال فترة الخطوبة. ويعتبر أحمد هو الذى بنى شخصيتى كاملة بسبب تربية والدى لى على عدم الخروج إلا عند الدراسة، وتزوجنا بعد انتهائى من الدراسة الجامعية فى سنة امتياز ورُزقنا بمؤمن. وبدأت رحلة حياة أحمد بخدمته فى المنطقة الجنوبية فى الوقت الذى بدأت تحضير ماجستير تخدير، ولكن بعدما علمنا أن أحمد اخذ أركان حرب وسيذهب إلى سيناء تنازلت عن هذا التخصص وقلت «مش هينفع علشان الأولاد». وسافر «حفظ سلام» فى السودان وقتها كان لدينا مؤمن، وملك فقط، وعندما أخذ أركان حرب وبدأ مشوار حياته فى الجيش الثانى الذى كان يتمناه من وقت معرفتى به. وانتقل إلى بعثة أركان حرب فى كينيا بسبب تفوقه وإنه من أوائل دفعته. وعاد من كينيا إلى شمال سيناء. 

الخدمة فى سيناء 

كان أحمد يعشق سيناء، وكان لا يريد أن نعرف عن المخاطر التى يواجهها الجيش هناك أى شىء، حتى لا نطالبه بالنقل إلى مكان آخر، حتى إننى علمت استلام خدمة أحمد فى شمال سيناء عند زيارتنا لصديقه المقرب وليس منه، والذى كان اصيب هناك مما جعلنى اشعر أن طريقة الاستلام قاسية كثيرا والتى بدأت منذ عام 2016، وأصيب الشهيد أحمد بعد مرور عام واحد والذى كان يأمل فى علاجه بمستشفى العريش وعودته للخدمة دون أن نعرف، شعرت بأنه ليس فى أفضل حال بسبب كثرة الاتصال بى والذى نفى وجود أى شيء وبالإصرار عليه اعترف لى بدخوله إلى غرفة العمليات حينها كان قائد المجموعة من الكمائن كرم القواديس والذى تعرضوا لهجوم إرهابى لأكثر من كمين لكن بفضل ربنا وبسالة أحمد وأصدقائه تمكنوا من السيطرة على الهجوم بعد إصابته بشظايا متفرقة فى الساقين، ووصل أحمد إلى مستشفى الحلمية فى الصباح، وأنا قلقة كثيرا على اصابته حتى رأيته أمامى بساقيه الجيدة لكن كانت توجد إصابات عديدة فيها مثل الجروح فى ساقه التى كانت تستوجب عملية وعندما كنا نذهب إلى الاستشارة كان السؤال الذى يشغل عقله متى سوف أعود إلى العمل؟، فى الوقت نفسى كانت هناك إشاعات فى مستشفى العريش أن أحمد قد استشهد لكنه قام بطمأنتهم عليه عبر جهاز اللاسلكى قائلا لهما «متقلقوش يا أبطال مش هيقدروا يلمسوا ضافر عسكرى مننا أنا هرجعلكم فى أقرب وقت».

رحلة الخوف 

 فى خلال شهر قبل عملية الاستشفاء من الإصابة عاد إلى شمال سيناء مجددا ومن هنا بدأت رحلة الخوف وتابعنا أخبار شمال سيناء وفى كل مرة كان يحكى عن شخص استشهد معه سواء كان سيناوى أو من العساكر أو من الضباط. كانت هناك مشاعر غريبة فى الإصابة الأولى عندما رأيت الضباط الصغار وهم خائفون على الضابط الكبار وأحمد رغم جلوسه على كرسى متحرك إلا أنه حرص على الاطمئنان على العساكر ورغم هذه المواقف المحزنة إلى أنه كان سعيدا بعمله ويشعر بالانتصار، كما كرمته الدولة بالحج وأيضاً إقامة الرئيس عبدالفتاح السيسى أول احتفال للمصابين والشهداء والذى كان سعيداً بشعوره ببطولته أمام أولاده وبتكريم الدولة له. واستمر أحمد فى شمال سيناء حتى يوم 8 لسنة2020 وفى تمام الساعة الواحدة مساء تلقيت مكالمة من زوجة صاحبه مما جعلنى أشعر بالقلق، وسألتها هل حدث شيء لأحمد واعترفت بإصابة زوجى ونقله إلى مستشفى كوبرى القبة وعلمت فى طريقى إليه أن الإصابة عبوة ناسفة وعند وصولى رأيت أحمد يعمل إشاعات وتفاجأ بوجودى وعند دخولى له وجدت الأكسجين 70 ووصف الحادثة بأنه هناك جسم صلب تصادم بعبوة ناسفة واصطدم بظهره مما أصابه بكسر فى ضلعين وفقرتين وتهتك فى الرئتين وبعد دخوله إلى العناية المركزة عند زيارتى له فى الرعاية قال لى «هتقوليلى إيه» فأجابته أنه من الطبيعى أن ينهى خدمته فى شمال سيناء فرفض هذا قائلاً «هو أنا اتشركت لسه يا رشا سينا محتاجانى» كما كان فى المستشفى معنا طبيب صديق لى والذى كان غاضبا ويريد أن عمل عملية له واخراجه من الجيش لكن أحمد ناداه وقال له شيء فى ودنه لم يخبرنى بها صديقى إلا بعد استشهاد أحمد وهى «ترضى بعد 6 سنين جهاد أموت على سريرى»، أعتقد أن أحمد فى هذا اليوم لم يكن وجهه سعيداً ولم أكن أفهم سبب ذلك لكننى شعرت أنه حزين على أنه لم يستشهد لأنه اعترف لى فيما بعد أنه «عندما لم يستطع أن يأخذ نفسه شعرت أنها الشهادة خلاص وقتها لم أشاهد إلا صورتك فى السماء وقلت هتعملى إيه من بعدي». وبعد الخروج من المستشفى ذهبنا إلى المنزل وكلما كان يتصل به قائدا لينصحه بترك سيناء يرفض أحمد بشدة ويؤكد لهم أنه سوف يعود بعد 15 يوماً. وبمجرد أن تعافى عاد إلى شمال سيناء فورا. وعندما كان يعود إجازة كان دائما يقول لى «المسك أهو يا رشا جايبه من المدينة علشان أتغسل بيه»، كما كان يقول بعض كلام الوداع الذى كنت لا أريد فهمها، أو أصدقها، حتى جاء فى آخر إجازة وحرص على أن يسلم على الكثير من الأصدقاء، وعندما أخبرته بتعب والدتى صمم على المجيء معى رغم الشك فى أنها مصابة بفيروس كورونا. وبالفعل كانت والدتى مصابة بالفيروس والذى انتقل إلى أحمد ومن الممكن أن تكون هذه إرادة ربنا ليجلس معنا 20 يوماً وهناك الكثير من الأشخاص تواصلوا معى مثل إخوته لمعرفة إذا كان معزولا ودائما كنت أقول «بالعكس كلنا قاعدين حواليه ده إحنا ما بنصدق نشوفه» وفى خلال هذه الفترة كان دائما يعطى لنا رسائل وداع، سألته إذا كان طلب منهم مد فترة إجازته فأجابنى «لا طبعاً هو أنا كده مُعدى؟ لا مش مُعدى سلام عليكم»!

الوداع الصعب 

وتضيف الطبيبة رشا زوجة الشهيد، فى العادى عند ميعاد سفره يكون يوم وداع صعباً علينا جميعا، إلا فى الوداع الأخير فعل أشياء لم يفعلها من قبل بمجرد استيقاظه ارتدى ملابسه وهم للذهاب للعمل دون تناول وجبة الفطار والنسكافيه الذى اعتدنا أن نتناوله سويا، وقال لى يا رشا سوف أبدأ الصيام من اليوم كما اعتدنا الصيام بشهر رجب من كل عام ثم توجه إلى باب الشقة للنزول إلى السيارة التى كانت بانتظاره أسفل المنزل للتوجه لعمله بسيناء محاولاً بُعد نظراته عنى كما رفض السلام على أولاده. مما جعلنى أرسلت له رسالة عبر الواتس سألته عن سر عدم سلامه علينا فبرر ذلك بأنه يخشى علينا العدوى من أثار الكورونا فقلت له نحن نجلس بجوارك طوال الوقت فما يحدث لنا من السلام. ومن الطبيعى كان دائما يرسل أنه سوف يأخذ إجازة من العمل ويأتى إلينا وعادة ما كان يعتذر عن الحضور وكنت أحزن من ذلك التصرف مثلى مثل أى زوجة تحزن من ذلك، ولكنه كتب لى رسالة لم أنسها وكان نصها كالآتى «إن للعمل فى سبيل الله ونصرة لدينه لذة لا يعادلها متع الدنيا» ولم أفهم هذه الجملة إلا بعد استشهاده.

واستكملت الطبيبة الحديث قائلة فى يوم الجمعة كنا صائمين أنا والأولاد وعدت من العمل فوجئت برسالة منه يقول لى خلالها «رشا إنتى نسيتينى فأسرعت إلى الهاتف بالاتصال عليه وقلت له كيف أنساك ولكنى كنت فى نبطشية وعدت أحضرت وجبة الإفطار لى أنا والأولاد وذاكرت معهم دروسهم فانشغلت عنك، فقال لى «إنتى مفيش منك تاني» وتحدث مع مؤمن الابن الكبير وقام بتوصيته على شقيقه الصغير ثم تحدث مع ابنته ملك وقام بالمزح معها خلال المكالمة وانتهت المكالمة. فى صباح اليوم التالى وعلى غير العادى قمت بالاتصال عليه على رقم الطوارئ ورد على مجند أخبرنى أن زوجى قد توجه إلى مداهمة فشعرت بشيء غريب فى قلبى وقلت اللهم إنى استودعتك أحمد، وبعد صلاة الظهر وجدت رقما غريبا يرن على الهاتف ولم أرد على هذا الرقم غير فى المرة السابعة وجدت شخصا على الهاتف يسألنى هل انت زوجة العقيد أحمد عبدالمحسن؟ قلت له نعم فصمت قليلا فقلت له هل تم إصابته مرة أخرى قال لى العقيد أحمد أستشهد فقلت اللهم أجرنى فى مصيبتى وأخلف على بأحسن منها وأطلق الله على صبرا لم أعرف من أين أتى لى. وأسرعت بالعودة إلى المنزل فوجئت أن أولادى قد علموا باستشهاد والدهم وفى حالة انهيار تامة وتوجهنا بالسفر إلى مقر عمله وقد تم عمل جنازة عسكرية كبيرة حضر خلالها قيادات من القوات المسلحة.

دموع ابنة الشهيد

وقالت ملك ابنة الشهيد التى تبلغ من العمر 16 عاما لا أتذكر عندما كان يذهب والدى إلى السفر فى البداية لأننى كنت فى سن صغيرة، ولكننى عندما بدأت أن أدرك كنت أخشى على والدى فى كل مرة يسافر فيها ولكننى كنت أعلم جيدا أن أبى يقوم بمهمة صعبة وهامة ألا وهى أهمية الوطن وحمايتنا أيضاً، وبسبب وجوده دائما فى عمله كانت والدتى هى التى تقوم بعمل شئوننا كاملة فلم أجد أبى بجوارى مثل أى فتاة تحتاج لوالدها فى المدرسة أو فى أى شيء آخر، ولكن كانت أمى تحاول دائما تعويض هذه الفجوة وتقوم هى بجميع شئوننا حتى لا نشعر بالنقص فى أى شيء وكان أبى يحاول تعويض ذلك عندما ينزل إجازة بأنه يقوم بالترفيه أننا والخروج ونقضى معه فترة إجازته وفى فرح وسعادة وكان دائما يحاول توصيتى بأن أكون مجتهدة فى دراستى ومستقبلى واستمع إلى كلام أمى ولا أخالفها فى أى شيء. وأضافت ابنة الشهيد إنها قد شاهدت رؤيا وهى صغيرة أن جدها المتوفى يأخذ يد والدها فى الجنة ويبتعد به عنا وفى يوم الاستشهاد تكررت على نفس الرؤية فاستيقظت من النوم وفوجئت باتصال هاتفى على رقم أخى ووجدت مؤمن يبكى ويدخل حجرته فتوقعت حدوث ذلك الأمر فتوجهت إليه وسألته هو بابا استشهد فأجابنى بنعم فدخلت فى نوبة بكاء شديد أنا وشقيقى.

وتوجهت ابنة الشهيد بكلمة لأبيها قائلة «وحشتنى أوى يا بابا وكان نفسى تكون معايا لكننى أعلم أنك فى مكان أفضل ومكانة أفضل وأنت تستحق أن تكون شهيداً وإن شاء الله سألحق بك فى الجنة».

وحشتنى يا بابا

وقال محمد ابن الشهيد الصغير الذى يبلغ من العمر 9 سنوات أنا أحب بابا جدا وكنت متعلقاً به بشكل أكثر من الطبيعى فعندما كان يعود إلى المنزل فى إجازته أقوم بالقفز فوق كتفيه، ويحملنى دائما، وعند تناول وجبة الطعام كنت أجلس دائما على رجليه وحتى أيضاً فى أثناء القيادة كنت دائما على رجله لدرجة أننى أحياناً كنت أنام وهو يقود السيارة، وأتذكر دائما عندما كنت أجلس بجواره فى رمضان وأشاهد مسلسل الاختيار كان يقول لى عندما يشاهد أحد الضباط أثناء استشهاده شوفت إلى بيموت بيروح فى مكان عند ربنا حلو إزاى وكانت هذه كلمات فى أذنى دائما ولذلك عندما استشهد والدى كنت أقوم بمواساة أمى وأقول لها إن أبى ذهب إلى الجنة كما وعدنى وقال لى إنه عندما يستشهد يدخل الجنة. وتوجه الابن برسالة لوالده الشهيد قائلا له وحشتنى أوى يا بابا وزى ما أنت جعلتنى فخور بيك أمام الدنيا كلها، سأجعلك تفتخر بى أمام جميع من معك فى الجنة.