رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

لا تتعجب، فإن للابتذال فوائد جمة يمكن استثمارها بشكل إيجابى، هذا لو أردنا تطوير المجتمع والنهوض به إلى الأمام، ومن ثم التحرر من أسر هذا الابتذال وسحقه.

قبل أن أشرح فكرتى، أود تحرير كلمة أولية عن مفهوم الابتذال الذى أعنيه هنا، وهو الابتذال فى الفنون والآداب تحديدًا، ذلك أن هذا الابتذال حين ينتشر ويروج، فإنه سينعكس بشكل سلبى على سلوك الناس وأفكارهم ورؤاهم للحياة والمجتمع.

تخيل معى، على سبيل المثال، أغنية مبتذلة تغنى بها أحدهم، فوجدت من يروج لها على مواقع التواصل الاجتماعى وفى قنوات يوتيوب، حتى غدت تسطو على آذان غالبية الناس وتدغدغ مشاعرهم الأولية. إننا بذلك نسمح للذوق أن يفسد وللمشاعر الراقية أن تحتجب. فما العمل إذن؟

لا ريب فى أن شيوع الكلمات المبتذلة والموسيقى البدائية التى تخاطب الغرائز الأولية المباشرة يرتبطان بمدى المستوى الثقافى العام الذى يسود هذا المجتمع أو ذاك، فإذا نجح عمل «إبداعى» مبتذل فى فرض نفسه على الناس، فاعلم أن هذا المجتمع يعانى خللاً فى المعدل السوى لذائقته، وأن عليه أن يعكف على مواجهة الابتذال بكل ما أوتى من قوة وحكمة وحصافة.

الأمر نفسه يتكرر فى عالم الأدب، فكم راجت روايات ودواوين شعرية قليلة القيمة محدودة الجمال، لكن براعة التسويق والمستوى المتدنى للذائقة وشحوب المزاج الراقى... كل ذلك أسهم فى تصدير هذه الأعمال المبتذلة بوصفها «الأفضل والأجمل والأكمل والأهم».

فى جعبتى مثال قديم أراه مناسبًا، وهو: فى فيلم (دليلة) للمخرج محمد كريم، والذى عرض فى 15 أكتوبر 1956، يضطر البطل الفقير عبدالحليم حافظ أن يغنى فى ملهى ليلى أغنية «مبتذلة» حتى يستطيع أن يجد قوت يومه. كلمات الأغنية تقول (الحق عليه ويخاصمنى، وأصالحه ما يرضى يكلمني/ أعمله إيه ها يجنني/ الحق عليه... عليه... عليه).

بمقاييس الجمال الفنى الراقى لعام 1956 كانت هذه الكلمات ذات الإيقاعات الموسيقية الصاخبة الرتيبة تعد من الأعمال المبتذلة، ومع ذلك، فإن رواد الملهى تفاعلوا وهللوا وصفقوا لما تغنى به حليم.

لكن، إذا أكملنا مشاهدة الفيلم وأنصتنا إلى ما يشدو به عبدالحليم من أغنيات راقية المعنى والمبنى فى الفيلم نفسه، سنكتشف كم أن المعايير السامية فى الفن هى التى انتصرت، فقد قدم لنا الفنان القدير بحق أغنيات بديعة مثل: (كان فيه زمان قلبين/ حبيب حياتي/ حرام يا نار/ اللى انشغلت عليه) وغيرها.

هكذا إذن، كلما حاول الابتذال أن يسطو على وجدان الناس وعقولهم، تصدى له الفن الراقى والأدب الرفيع، حتى يزيحوه من المشهد الإبداعى.

لكن علينا الإدراك أن إزاحة الابتذال فى حاجة إلى إرادة وهمة وإصرار وأموال وقناعة من قبل من بيدهم الأمر، حتى يوفروا للإبداعات الراقية ما هى فى حاجة إليه من حضور وانتشار: فى المدرسة... فى أجهزة الإعلام... فى المؤسسات الثقافية... فى تكريم المبدعين... فى تشجيع المواهب الشابة.

هل عرفت الآن أن للابتذال فوائد؟