رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دفعتنى تراكيب ومتاهات المسارات الهيكلية لخبراء الاقتصاد والسياسة إلى استحضار«حمار الحكيم» ليحدثنى عن صندوق النقد الدولى، فهذا «الحمار» فيلسوف مخلص محايد، لا تعنيه مكاسب التأييد ولا يهتم بطموحات المعارضة، ويكفى ما كتبه «توفيق الحكيم» عنه، وما يتصف به من الحكمة والعلم.

وبعد نظرات الاستياء وحركات «الترفيس» التى انتابته من عملية الاستحضار، طلبت من باب تلطيف الأجواء أن نصبح أصدقاء، فرد بغضب لا يبشر بخير، وقال: من تكون كى أنزل تلك الدركات وأصاحبه؟!، تراجعت عن طلبى وأخبرته بأننى لم أقصد الإهانة بل...، قاطعنى فى حدة، وسألنى: ماذا تريد؟، فكان هذا الحوار.

سألته: أريد أن أفهم، بعد مفاوضات شاقة بين السادة المسئولين وأعضاء صندوق النقد الدولى، نرى مصافحات وابتسامات أشبه بفرح العمدة!، إذن فبرامج «الصندوق» فى صالحنا على عكس ما يروج له البعض.. أليس كذلك؟، أجابنى بلا تردد بأن الصندوق أشبه بالمصيدة، من يدخل فيها لا يخرج منها، ثم رد السؤال: لماذا تلجأ الدول إليه؟.. أجبته بلا تردد كما فعل: لأنه الملاذ الأخير لإنقاذ اقتصاد تلك الدول والتعافى من الأزمات التى تواجهه.

قال: وهل يفعل «الصندوق» ذلك؟!، سأشرح لك، عندما تكون هناك أزمة مثلًا فى النقد الأجنبى، تلجأ الدول إليه لتوفير السيولة المطلوبة من هذا النقد، وفى نفس اللحظة التى يُقرِضك فيها الصندوق، يقوم بوضع سياسات تعمل على إنقاص تلك السيولة التى سعيت إليها!، عن طريق إلغاء أو تخفيف ضوابط حركة النقد الأجنبى، وتحرير سوق رأس المال، وتيسير نقل أرباح الأجانب خارج البلاد، بالإضافة إلى أضرار «الأموال الساخنة» التى تهرب مع أول إحساس بالخطر، لتبدأ الدورة من جديد، وتظل حبيسًا فى تلك المصيدة.

بنفس الحدة التى بدأها قلت: بلاش كلام الكتب ده!، فالصندوق يضع الفقراء وحمايتهم ضمن أولوياته، ولا يختلف أحد على ذلك، ضحك «حمار الحكيم»، ثم هز رأسه وذيله فى استياء شديد، وقال: أنت لا تفهم، ولا أقصد الإهانة فهذه حقيقة، ألا تعرف أن شرط تخفيض قيمة العملة من برامج الصندوق؟، أجبته وأنا أكتم غضبى من صراحته وفجاجته: أعرف، ولكن تخفيض العملة ضرورة لزيادة الصادرات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

قال: أى صادرات أيها «المغفل»، ألا تعلم أن هذا التخفيض يعمل على تشجيع تصدير الموارد المحلية خاصة السلع والمنتجات الغذائية، فيقل المعروض منها وترتفع أسعارها، ألا تعلم أن هذا التخفيض يقابله انخفاض فى قيمة أجور العاملين، وارتفاع تكاليف الإنتاج على أصحاب رؤوس الأموال الوطنيين، ومع زيادة هذا الضغط الناتج عن ارتفاع تلك التكاليف سيكون شبح الإفلاس والإغلاق وتسريح العمال حاضراً بقوة، وتصبح هذه الأصول الوطنية فريسة سهلة للمال الأجنبى، تحت مرادفات جذابة مثل البيع والشراء والاستحواذ... وهكذا.

بصوت يتناسب مع ارتفاع حالة الغضب بداخلى: أنت لا فيلسوف ولا مخلص ولا «هباب»، وأنا أخطأت عندما استحضرتك إلى هنا، ما تلك النظرة السوداوية أيها «الحمار»، ماذا تريد أن تقول بالضبط؟!

أجابنى بهدوء رفقا بحالتى: يا عزيزى.. «الصندوق» ليس جمعية خيرية.. هذا «الصندوق» إحدى مؤسسات الهيمنة على الدول منذ إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية، يا عزيزى هذا الصندوق يحارب الفقراء، ولا يقضى على الفقر، يا عزيزى الاستثمار فى «حمامات البخار» ومراكز «التدليك» والمضاربات لن تبنى اقتصاداً.

سكت «الحمار» قليلًا ثم تابع حديثه: اقرأ أولًا ماذا فعل هذا الصندوق بالدول التى وقعت فى شباكه وأصابتها لعنته، ستجد أن الدول التى لجأت إليه غرقت فى دوامة الديون، واتسعت فيها دائرة الفقر، ويمكن أن تفهم ذلك فقط من الإهداء الموجود فى صدر كتاب «صندوق النقد الدولى قوة عظمى فى الساحة العالمية» لـ«أرنست فولف» ترجمة د. عدنان عباس، الذى يقول إن هذا الكتاب هدية لبنى البشر فى أفريقيا وآسيا وجنوب أمريكا، الذين لا يستطيعون قراءته لأن سياسة صندوق النقد الدولى حرمتهم من الالتحاق بالمدارس.

التقطت أنفاسى ثم سألته: إذا كانت هناك تجارب ووقائع مؤكدة عن هذا «النكد الدولى»، فلماذا يؤيده البعض ويدافع عن سياساته ووصفاته باعتبارها الحل الأوحد للإنقاذ؟

بابتسامة خفيفة قال: هنا بدأت تفهم «شوية»، ابحث عن المستفيد من تطبيق سياسات الصندوق، وعن أولئك الذين شربوا علومه وثقافته، واستمر الحوار قليلًا بين قال وقلت، إلى أن وصلت إلى سؤالى الأخير.. كيف يمكن الخروج من تلك المصيدة؟ فضحك وهو يلملم أشياءه استعدادًا للرحيل وقال: أجب أنت يا صديقى؟ ثم اختفى.

فى النهاية.. الإجابة عن هذا السؤال ليست أمرًا سهلًا كما يعتقد البعض، فتبعاته الخارجية والداخلية كبيرة، وتحتاج إلى الإرادة والإيمان بقوة الاكتفاء الذاتى، والبحث عن تجارب جديدة للتعافى تتناسب معنا.. وتبقى الإجابة عن هذا السؤال لأهل العلم وأصحاب القرار، أما أنا و«حمار الحكيم» فلا حول لنا ولا قوة.

[email protected]