عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

يدهشنى ويستوقفنى دائماً تأمل تصرفات الإنسان قبل وأثناء توليه منصب يخوله إصدار قرارات تتعلق بمصائر وأرزاق الآخرين وخاصة فى مجتمعاتنا المتخلفة المليئة بصور من الشللية الفاسدة والمحسوبيات البغيضة، فهو قبل الوصول إلى المنصب الذى يطمح اليه تجده إنساناً لطيفاً ودوداً يكاد يقبل أيادى المسئولين والوسطاء الذين يتصور أنهم من سيرشحونه أو سيوافقون على ترشيحه أو تأهيله لبلوغ مبتغاه! وما إن يتولى منصبه الجديد تجده يتحول إلى إنسان آخر فيتعالى على الناس ويبدأ فى تصفية حساباته مع الجميع ويتعنت فى اتخاذ قرارات غير مدروسة فيولى المناصب القيادية والمسئوليات المختلفة فى وزارته أو فى الهيئة المسئول عنها لشلته وأصدقائه حتى ينعم بصحبتهم ووجودهم إلى جواره ويغدق عليهم بما لا يستحقون من عطايا ومكافآت فى الوقت الذى يبعد عنه الكفاءات والشخصيات المنافسة التى يتوقع أن تشكل عليه عبئاً فى الرقابة والمتابعة، فضلاً عن إمكانية أن تخلفه فى المستقبل..إلخ!! ومع هذا وذاك تجده يبحث عن كيفية الانتقام من كل من وقف فى طريقه يوماً أو من عاقبه يوماً على خطأ ارتكبه فى عمله أو من كان يرى فيه منافساً فى أى شىء لينتقم منه ويبتدع الكثير من الوسائل للتنكيل به والنيل منه وإذلاله!!

إن هذا النوع من البشر والمسئولين أياً كان موقعهم وقوة سلطانهم يتناسون أنهم فى الأساس أدوات للسلطة الحقيقية وأعنى بها سلطة القدر الإلهى، إنهم مجرد لعبة فى يد القدر الذى ينفذ بها الله إرادته فى خلقه! فمن يتصورون أنهم وجدوا لإيذاء هذا الشخص أو ذاك واستبعاده قد يكونون هم من يدفعونه إلى المكان الأكثر لياقة به دون أن يشعروا! وأن ذلك الشخص الذين يولونه منصباً ليس مؤهلاً له أو أهلاً له قد يكون هو المنصب الذى يودى به وبهم جميعاً إلى السجن أو إلى الجحيم! 

وكم شاهدت فى حياتى نماذج من أمثال هؤلاء الرؤساء وأصحاب السلطة الذين يتجبرون على الناس ويستخدمون سلطتهم كأداة للمنح والمنع متباهين بذلك ومتصورين أنهم هم مَن يكافئون أو يمنعون، وهم فى واقع الحال لا يملكون من أمرهم شيئاً وكان من الأفضل لهم أن يعتبروا هذا المنصب منحة إلهية جاءتهم ليكونوا أمناء على المسئولية فى خدمة بلدهم وشركائهم فى الوطن، ومن ثم يتقنون عملهم ويختارون الأصلح لتحمّل المسئوليات الأدنى أياً كانت عواطفهم الشخصية وتوجهاتهم العقلية وبعيداً عن القيل والقال والاستماع إلى رفقاء السوء و«كذابين الزفة» ومتقنى النفاق والتملق!، ولأنى كنت مدركاً لكل ذلك ورغم كل ما عانيت من مؤامرات ومكائد فى حياتى الشخصية والمهنية، فقد حرصت أشد الحرص على ألا أنسى أبداً – فى كل ما توليت من مناصب حسب إرادة الله وما كتب لى القدر- أن المنصب ليس منحة أو للوجاهة، بل للعمل وإتقان أداء المسئولية دون نظر لما يمكن أن يأتينى من ورائه من مكاسب أو أرباح! وكم كان الأصدقاء والزملاء على اختلاف درجاتهم ووظائفهم يتعجبون من «ذلك العميد الذى لا يجلس على مكتب، ولا يرغب فى تجديد مكتبه، ولا يسعى لمشاركة أحد فى الكلية التى يرأسها عملاً ليس من اختصاصه، ويستمع للجميع بلا وسائط ولا تمييز، وليس له شلة أو جواسيس على موظفيه.. إلخ»!

أقول ذلك بمناسبة قرب تشكيل مجلس وزراء جديد يقود العمل الوطنى العام فى عصر «الجمهورية الجديدة» وما يترتب على ذلك من تعيينات فى المناصب التراتبية الأدنى، وتحسباً لما يحدث فى مصرنا الغالية من فساد ووساطات فى التعيينات فى الوظائف الكبرى مما يتسبب فى النهاية فى كل ما نعانيه من مشكلات فى كل مجالات حياتنا، إذ إن الكثير منها يتم على قاعدة «أعطى من لا يملك لمن لا يستحق» إلا من رحم ربى!! 

إن الحياة السياسية والاقتصادية لن تنصلح فى مصر ولن يأتى الرخاء والتقدم والاستقرار والريادة المنشودة لمصر إلا عبر تغيير السياسات العليا التى على أساسها يتم اختيار القيادات والمسئولين الكبار فهم رأس السلطة التنفيذية ومتخذو القرار، وإن لم يكونوا من الأصل مختارين بموضوعية مطلقة وبكفاءة عالية، ومن أناس لا يخشون فى الحق لومة لائم ولا يسعون إلى تحقيق أى مآرب أو مصالح شخصية، فسنظل نعيش فى مجتمع تحكمه قيم ثقافة التخلف ويعانى الفقر فى كل شىء. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.