رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

بين التحيز والمعاداة.. أقلام العرب أم الآخر الأجنبي؟

السنوات القادمة تكشف.. هل ينصف التاريخ غزة؟

بوابة الوفد الإلكترونية

من هم المنتصرون؟

مبدعون خلدوا الماضى.. فهل يفعلونها الآن؟

 

مترددة، أمسك بالقلم، تتنازعنى أفكار شتى، أحاول أن أتمسك بإحداها، أطاردها، فتتفلت مبتعدة، أنظر حيث اختفت، فتبتلعنى بقعة هائلة من الدماء... أغلق عينى لتتساقط كل الأفكار ومعها يسقط القلم من بين يدى... أتشاغل علّى أتخلص من تلك الحالة، أفتح التلفاز فتصدم عينى بقعة الدماء ذاتها، لكنها الآن تضاعفت، أدير القناة.. بقعة أكبر من الدماء، قناة أخرى.. بقعة أكبر.. أكبر.. أكبر..

أطيح بالريموت على امتداد ذراعى صارخة، تواجهنى الجريدة ملقاة بإهمال، أنحنى لالتقاطها.. أسفل المانشيت رؤوس أطفال مهشمة، وبين أنقاض كثيرة يجرى نهر بلا نهاية.. نهر من الدماء.

أمزق الجريدة ثم أغط فى نوم عميق..

فى الناحية الأخرى من النهر، رجل أشقر يمسك بأوراق كثيرة وقلم مكسور، يحاول أن يرمم كسره، يجبر حبره، ولا يملك غيره، يغلق التلفاز ببرود على مشهد قصف دامٍ، وتتراءى أمام عينيه جملة افتتاحية لمقال جديد «إسرائيل ضحية إرهاب العرب»، يبتسم للجملة، ويحاول أن يسجلها فى ورقة، لكن القلم مكسور، يأبى أن يطيعه، فيقذف به بعيدا ويتناول اللاب توب، ويكتب.. يكتب.. يكتب.

يقولون إن التاريخ يكتبه المنتصرون، لكن أى تاريخ هذا، وأين هم المنتصرون فى غزة؟ أهم أبطال المقاومة، أم الآلاف من الشهداء، أم آلاف آلاف الأمهات الثكلى، أم الأطفال الميتمون والمشردون قصرا، أم تكتبه أطلال مدينة كانت هنا باسقة؟ أم هؤلاء القتلة المتسيدون؟

ترى من سيكتبك يوما يا غزة.. يا وجع القلم؟

دعينى أجزم بأنك ستُكتبين يوما كما يجب أن تكتبي، سيكتبك الأكثر جرأة، المتماسكون، من لا يملكون تلفازا ولا جريدة ولا فيس بوك ولا يوتيوب، سيكتبونك دون ضغوط ودون أن تحيطهم بقع الدماء وتطاردهم مشاهد الموت القاسي، وصرخات الأطفال وعويل الثكالى وقهر الآباء، حينما يوجد هؤلاء، أعدك أنك ستكتبين حقا أيا غزة.

مثلما كتب الجبرتى والكندى والأصفهانى وابن بطوطة وسليم حسن، وغيرهم، عن التاريخ من واقع الترحال والوثائق وشهود العيان، ومثلما أبدع حيدر حيدر، من وجع المواقف، ومحفوظ من ألم الواقع، والفاجومى من لحظة استبداد... ستكتبين.

هؤلاء الذين يتملكنى تجاههم حسد لا نهاية له، هؤلاء الذين كتبوا من نقطة هدوء، وتفكر، واتزان، لا تتاح لنا الآن.. نحن، مبدعى هذا الزمان.

هكذا يجد التاريخ نفسه وقد دخل منعطفا استثنائيا، كما الثقب الأسود يتماهى من حوله الزمن وتبتلع الأحداث دوامة لا تنتهي، هكذا يقف التاريخ منصتا لأقلام الماضي، التى خطت أحداثه، ويتساءل مثلي: أى تلك الأقلام قادر اليوم على أن يوثق ما يحدث، أى الأقلام قادر على أن يكتبك يا غزة؟

فلسطين كانت وستظل مفجر الأقلام الأول وشاغلها الأهم، كتب عنها وبها ولها المئات، منذ ٤٨ وحتى شهور مضت، الآن يقف الجميع بجواري، عاجزين عن استيعاب أقلامهم لما يحدث، فالحدث أكبر من الكتابة، والحيرة تتوسطنا، فلأيهما الغلبة، للكتابة من زاوية المشاعر أم من زاوية التفكر والتعقل؟

ومعى يحاولون التنقيب فيما خط قبلا، علهم يجدون ثقبا ينفذ منه القلم، فكيف كتب التاريخ عامة؟

بين الموضوعية والتحيز تتردد الأقلام، فللحقيقة وجوه كثيرة، ولكلٍ زاويته، فالكتابة التاريخية الإبداعية جد شائكة، لا يقدر على فض غموضها وتسلق أسوارها إلا محدودون..

ومن هؤلاء المحدودين نذكر:

< رضوى عاشور

_ الطنطورية:

تعرض الروائية المصرية رضوى عاشور فى روايتها «الطنطورية» سيرة حياة لـ«رقية الطنطورية» وعائلتها عبر أجيالِ ثلاثة وعبر الوطن العربى بامتداده من النيل إلى الخليج.. وترصد من خلالها ما مرت به القضية الفلسطينية من أزمات ونكبات من حرب 1948 ومشاركة العرب للفلسطينيين فيها، ومذبحة «الطنطورة» تلك القرية من جنوب «حيفا» التى اختارتها «رضوى عاشور» خصيصُا لتذكرنا جميعًا بأن فلسطين ليست أرض التقسيم، بل إن فلسطين العربية من النهر إلى البحر أرض عربية التى خرجت على إثرها رقية وعائلتها ليصبحوا من اللاجئين .. كما ترصد نكسة يونيو 1967 على الجانب الآخر، الجانب الفلسطينى والعربى الذى كان قد عقد الآمال العريضة على جمال عبد الناصر فخذله! حتى تصل إلى  مذابح «صبرا وشاتيلا» عام 1982، ومقتل الفنان ناجى العلى 1987، لتسرد حكاية هذا البطل الفلسطينى الذى تتخذ منه رمزًا للقضية وللأمل!

_ ثلاثية غرناطة:

تدور الأحداث حول عائلة أندلسيّة تعيش فى غرناطة بعد سقوط باقى الممالك الإسلامية فى الأندلس فى أواخر القرن 15 الميلادى، حيث نتابع تفاصيل الحياة فى غرناطة الواقعة تحت حصار القشتاليين بعد تسليم أبو عبد الله الصغير (آخر ملوك المسلمين) المدينة لهم، وكيف حاول المسلمون الحفاظ على دينهم وهويتهم حتى ضاق بهم الشقتاليون وأمروا بترحيل باقى المسلمين إلى المغرب العربى.

<< يوسف زيدان

_ النبطي

يطير يوسف زيدان بالزمن ويعود للعشرين سنة السابقة لدخول الإسلام للشام ومصر حيث مارّية تلك الفتاة المصريّة التى تعتنق و أسرتها الديانة المسيحية و تصف لنا الرواية تفاصيل الحياة اليومية للمصريين فى ذلك الوقت، حتى يجيء رجل نبطى من شمال الجزيرة العربية ليخطب مارية ويأخذها معه لبلاده حيث تعيش هناك وسط الأنباط وتتعرف على هذا المجتمع الغريب عنها، وتمر السنون على مارية حتى تتنامى إلى مسامعها أخبار ظهور نبى فى الجزيرة العربية يسمى محمد – صلى الله عليه و سلم – و تتوالى الأحداث حتى يصل الإسلام فى عهد عمر بن الخطّاب إلى الشام ومصر، ونتابع مع مارية التطورات التى حدثت لهذه البلاد بعد دخول الإسلام إليها.

<< إبراهيم نصر الله

 يعد مشروع الروائى الفلسطينى الكبير إبراهيم نصر الله «الملهاة الفلسطينية» واحدًا من أهم مشاريع توثيق القضية الفلسطينية إنسانيًا من خلال التقاط لمحات شديدة الخصوصية من ماضى فلسطين وحاضرها وسردها روائيًا بشاعرية بالغة، كتب إبراهيم نصر الله فى مشروع الملهاة نحو إحدى عشرة رواية، تنتقل فى الزمان والمكان ما بين تاريخ فلسطين القديم فى «زمن الخيول البيضاء» و«قناديل ملك الجليل»، وما بين حاضرها وحروبها الراهنة مثل ما يحكيه فى »ظلال المفاتيح» و«تحت شمس الضحى» وغيرهم.

بينما تتناول رواية أعراس آمنة أحداث ما دار فى غزة أثناء الحصار فى فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وكيف يواجه الفلسطينيون الموت والدمار المحيط بهم من كل جانب بالفرح والزغاريد، وذلك من خلال حكايات آمنة وعائلتها التى تعد العدة لزواج ابنها صالح، وتستحضر سيرة أبيه الذى استشهد على أيدى قوات الاحتلال، وبين لميس ورندة اللتين تحاولان التقاط تفاصيل الفرح والحياة بين دوى المدافع والقصف الذى يودى بأرواح الكثير من الشهداء، كما يبرز فى الرواية محاولات هؤلاء الأبطال الحقيقيين لتحدى الموت ومواجهته بكل ما استطاعوا إليه من الحياة سبيلًا، وبذلك ترسم الرواية صورة شاعرية جميلة لمدينة غزة المناضلة الأبية. 

<< ريم بسيوني:

يمثل مشروع ريم السردى التاريخى خمس روايات،  تسلط الضوء من خلالها على حقب مختلفة في تاريخ مصر، منها العصر المملوكى فى «ثلاثية المماليك»، والفاطمى فى رواية «الحلواني»، والطولونى فى رواية «القطائع»، والعلوى فى رواية «سبيل الغارق».

أما فى روايتها «ماريو وأبو العباس» فتستدعى تاريخ الشيخ الصوفى المرسى أبو العباس وتأثيره فى الإسكندرية.

وتدور أحداث الرواية فى فترتين زمنيتين مختلفتين؛ بين عصر المتصوف المرسى أبو العباس وعصر المصمم المعمارى الإيطالى ماريو روسى. وعلى الرغم من الفجوة الزمنية الكبيرة بين الشخصيتين، إلا أن الرواية تقدم للقارئ نظرة ممتعة حول حياة كل منهما، وتسلط الضوء على العلاقة التى تربطهما.

_ أولاد الناس 

تحكى هذه الثلاثية عن فترة هامة وزاخرة من تاريخ مصر وهى فترة حكم دولتى المماليك، دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية، ثم هزيمة المماليك على يد قوات سليم الأول فى عام 1517 وقتل السلطان طومان باى وتعليقه على باب زويلة. و تتخذ الثلاثية من قصة بناء مسجد السلطان حسن بداية للحكي، وتحكى عن تاريخ وتفاصيل العصر وقت وقبل البناء من خلال قصة غير مألوفة على المصريين فى هذا العصر وهى زواج زينب المصرية من أمير مملوكى غصبًا وبعد تهديد من الأمير، ويثمر هذا الزواج عن المهندس الذى بنى المسجد. ثم تتوالى الأحداث التى تعود فى الحكاية الثانية إلى المسجد بعد عام 1388 حيث تحول إلى ساحة قتال بين الأمراء وفى الحكاية الأخيرة ترصد الأحداث سرقة ونهب المسجد على يد القوات العثمانية.

< الطيب صالح:

_ موسم الهجرة إلى الشمال

كتب الطيب صالح روايته أواسطَ الستينيات، كانت مجتمعات العالم العربى وأفريقيا والعالم الثالث قد خرجت لتوها من ربقة الاستعمار العسكرى الطويل، مفعمة بالأمل فى التخلص من آثاره المزمنة، أو من جرثومته -كما سماها فى الرواية- التى تركها فى نسيج هذه المجتمعات.

استعرضت الرواية فكرتها من خلال ثلاث شخصيات رئيسية، مثّل كل منها رؤية مختلفة للوجود، تظهر فى أول الرواية شخصية الراوى الذى يمثل الجيل الثالث فى الرواية، والذى عاش أغلب حياته بعد رحيل الاستعمار الإنجليزي، ثم هناك شخصية الجد والتى مثلت بساطة المجتمع التقليدي، مجتمع ما قبل الاستعمار والتحديث، ثم شخصية مصطفى سعيد؛ الشخصية الرئيسية والأكثر إثارة للتأمل، طفل يتيم الأب يعيش هو وأمه وحيديْن، ويقرر الالتحاق بالمدرسة والتعليم النظامى الحديث، ليُظهر هناك تفوقًا ونبوغًا ملفتين للنظر، يرى فيه المعلمون معجزة، إذ يقول له ناظر المدرسة: «هذه البلد لا تتسع لذهنك». ثم سهل عليه الدراسة فى القاهرة ولم يبلغ الثانية عشر بعد، ومن هناك وبمساعدة عائلة مستشرق إنجليزى يكمل رحلته للدراسة فى لندن.

< أحمد مراد

_ ١٩١٩

وترصد واقع المجتمع المصرى فى فترة الاحتلال الإنجليزى وأحداث ثورة 1919 وما بعدها، تجرى أحداثها حول العديد من الشخصيات والوقائع المرتبطة بالثورة، فى روايته الجديدة، ابتعد أحمد مراد عن نمطه القديم فى  رواياته، حيث ابتعد عن عالم الجريمة والتشويق بدرجة كبيرة، وقدم رواية تاريخية مليئة بالتفاصيل، تدور أحداثها فى سنة 1919، والرواية رغم إنها تدور فى إطار تاريخى لكنها أيضا حاولت إبراز جوانب إنسانية عدة داخل شخوص العمل لإظهار جوانب أخرى لدى من عاصروا الثورة.

هكذا خطت التاريخ أقلام إبداعية برؤى وطروحات مختلفة، فهل نجد مستقبلا من يمكنه أن ينهى حيرتنا، ويكتب عن غزة بالإبداع ذاته، دون السقوط فى بئر التحيز أو المعاداة؟ ربما.