رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كثيراً ما يخلط الناس بين اللذة والفرح ويعتبرون أن اقتناص اللذات الحسية قرين الشعور بالفرح والسعادة، لكن الفلاسفة ميزوا بين هذه المفاهيم؛ فلدينا منذ العصر اليونانى وحتى العصور الحديثة مذهب فلسفى يدعى مذهب اللذة وقد تأسس على يد فيلسوف قورينائى قديم يدعى أرستبوس الذى وحد تماماً بين اللذة والسعادة ورأى أن الشعور بالسعادة لا يتأتى إلا بممارسة والاستمتاع باللذات الحسية المختلفة وتطرف فى ذلك لدرجة أن اتخذ من صديقته المستهترة لاييس رمزاً للذة! وقد وصل التطرف فى الدعوة إلى اللذة عند هجسياس آخر ممثلى هذا التيار اللذى القديم إلى أن دعا إلى الانتحار إذا ما فقد الإنسان القدرة على ممارسة هذه اللذات الحسية إذ لا معنى لاستمرار الحياة لديه دونها! وقد حاول أبيقور فى فلسفته الأخلاقية الداعية إلى اللذة أيضاً الحد من هذا التطرف فدعا إلى الاعتدال فى ممارسة اللذات والاكتفاء بما هو ضرورى منها دون مغالاة أو تطرف!

لكن الحق أن الفيلسوف الفرنسى المعاصر هنرى برجسون كان فى اعتقادى أكثر الفلاسفة تميزاً فى رؤيته للعلاقة بين اللذة والفرح حينما قال فى كتابه الشهير «الطاقة الروحية»: إن اللذة ما هى إلا حيلة ابتدعتها الطبيعة لتحصل من الكائن الحى على بقاء الحياة وهى لا تدل على الاتجاه الذى اندفعت فيه الحياة، ومن هنا ميز بين اللذة والفرح مؤكداً أن الفرح هو الذى ينبئ بأن الحياة قد نجحت واتسعت ونالت الظفر، وقد ربط برجسون بين الشعور بالفرح وبين الخلق وتجدد الحياة قائلاً: «حينما يكن فرح يكن خلق، وعلى قدر غنى الخلق يكون عمق الفرح». إن الأم التى تنظر إلى ابنها تفرح لأنها تشعر بأنها خلقته جسماً وروحاً، وكذلك يفرح التاجر الذى يوسع أعماله ورئيس المصنع الذى يرى ازدهار مصنعه. إنهما فى نظر برجسون لا يفرحان للمال أو للشهرة التى حققاها وإنما الفرح الحقيقى الذى يتذوقانه للشعور بأنهما أنشآ مشروعاً استمر نجاحه، إن الفرح هنا بأنهما أضافا إلى الحياة شيئاً جديداً، إنها فرحة تشبه فرحة الفنان الذى حقق فكرته وفرحة العالم الذى اكتشف أو اخترع شيئاً جديداً، إن الفرحة هنا لا تتولد من المجد الذى يسعى المرء إلى تحقيقه أو حتى الذى حققه بل فرحته بأنه أنتج أثراً قابلاً لأن يحيا، انها فرحة إلهية، فرحة خلق الإنسان بنفسه لنفسه، بمعنى إنماء شخصيته بجهد يستمد كثيراً من قليل وشيئاً من لا شىء ومن ثم يضيف إلى غنى العالم غنى وثراء جديداً، وهو يشبه ذلك بالطبيعة التى إذا نظرنا إليها من الخارج رأينا فيها ازدهاراً عظيماً وتجدداً لا يمكن التنبؤ به ورأينا القوة التى تحركها تخلق هذه الأشكال التى لا نهاية لها من الأنواع النباتية والحيوانية بدافع الحب، لا لشىء وإنما للخلق ذاته.. وهكذا الإنسان الذى يتكئ على مجموع ماضيه حتى يقوى فعله فى المستقبل، إنه الإنسان القوى فى ذاته والقادر على أن يقوى معه سائر الناس. إن هؤلاء البشر المبدعين الذين يشقون طريق البطولة والفضيلة الإنسانية تتجلى فيهم دوما الذروة القصوى من التطور البشرى وهم فى ذات الوقت أقرب الناس إلى الأصول.

لقد حاول برجسون فيما سبق أن يلفت انتباهنا إلى أن السعادة الحقيقية للإنسان ليست فى استثمار قواه الجسدية بقدر ما هى فى إعمال قواه العاقلة المبدعة التى تضيف بإبداعاتها واكتشافاتها إلى الحياة حياة جديدة ومتجددة.

والخلاصة أن سعادة الإنسان الحقيقية ليست فى الجرى وراء إشباع الشهوات الجسدية والإفراط فى ممارسة اللذات الحسية لأنه إذا اقتصر فى حياته على ذلك إنما يتوقف عند كونه حيواناً غرائزياً فاقداً العقلانية والإنسانية! وإنما السعادة الحقة فى «الفرح» بما يحققه من تنمية لذاته العاقلة وما استطاع أن يضيفه من خلال ذلك على الوجود ومظاهر الحياة البشرية من حوله، إن دافعية الحياة الإنسانية وتميزها تكمن فى قوة العاطفة والحب والسمو الأخلاقى، تكمن فى الإبداع العلمى والفنى الذى يرقى بالإنسان وعواطفه النبيلة ليقبل على الحياة بفرحة طفل لا يعرف من مآسى البشر الأجلاف الأشرار شيئاً ويتطلع إلى مستقبل دائم الإشراق والتجدد!