رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

(نحو المستقبل)

كثيراً ما فكرت فى قول أرسطو أن الإنسان حيوان اجتماعى، والغريب أننى كنت أفكر فى تلك المقولة بالسلب، وكنت طوال فترة المراهقة الفكرية والشباب أتعاطف مع مقولة سارتر «أن الآخر هو الجحيم» لما كنت أراه من مكائد الناس وبين الأصدقاء بعضهم وبعض مما كان يجعلنى أتشكك دائماً فى نوايا كل من يقترب منى دون سبب واضح وأفضل العزلة على الاختلاط، وكثيراً ما كنت أفضل قضاء كل الوقت فى القراءة والاطلاع بعيداً عن مجالسة الأهل والأصدقاء. ومن المؤكد أن فى حياة كل منا تجارب سيئة مع الآخرين ومشكلات كثيرة عانى منها بسبب سوء اختيار الأصدقاء أحياناً أو بسبب جهله بكيفية التعامل مع الناس وعدم قدرته على مجاراتهم أحياناً أخرى! وكم قلت لنفسى: إذا كان البشر بهذا السوء فلتخلوا إلى نفسك مكتفياً بها وليكن صديقك كتاباً تقرأه أو تجربة شخصية تعيشها متأملا فى جنبات الكون! وكم كان جو الريف فى زمان الصبا بما فيه من هدوء وسكينه قبل أن تعرف القرى الكهرباء والتليفزيونات وجلسات السمر والسهر يساعد على اعتناق تلك الرؤية الفردانية المكتفية بذاتها! وكم كانت ملكة الخيال فى ذلك الزمان الرائق منطلقة وقادرة على رسم صور شتى لإمكانات لا محدودة للمستقبل!

والطريف أننى ظللت محباً للوحدة حتى وأنا مع الآخرين، فكم شاركت فى أنشطة طلابية طوال سنوات الدراسة، وكم كنت فاعلاً فى محيطى الطلابى من خلال عضويتى التى لم تنقطع فى اتحاد طلاب الكلية، ومع ذلك كانت أسعد لحظاتى حينما اعتزل الصخب والجموع وأخلوا إلى نفسى بصحبة هذا الكتاب أو ذاك ولم أكن أرى ضرورة لأى علاقة دائمة مع الجنس الآخر وكثيراً ما تجنبت ذلك دون أن أسأل نفسى عن السبب! فصحبة الذات كانت دائماً أهم وأفضل!

وكم كان غريباً بعد ذلك أن أجد نفسى وحيداً بين أقرانى بعد أن تزوجوا وكونوا أسراً، ومع ذلك كنت متردداً فى اتخاذ قرار الزواج رغم إلحاح الأهل والأصدقاء وكثرة ترشيحاتهم ومطالباتهم، فقد كان أمراً صعباً أن آخذ أنا المبادرة فى شىء ينال من حريتى الفردية واستمتاعى بقضاء وقتى فى فعل ما أحب وقتما أحب! ومن ثم تأخرت فى هذا الأمر كثيراً إلى أن قدر الله لى ضرورة التنازل عن هذه الرؤية الأنانية لحقيقة الوجود الإنسانى وتغيرت مع الزواج وتكوين الأسرة نظرتى للحياة ووجدت مدخلاً جديداً لفهم تلك المقولة الآرسطية؛ إذ وجدت أن وجود الآخر ضرورى لوجود الذات وأنه لولا وجود هذا الآخر لما أدركت الذات بحق حقيقة وجودها، ولما أدركت المعنى الحقيقى للحياة؛ فحقيقة الوجود ومعناه لا يتحققان إلا باستمراره، واستمراره لا يتحقق إلا بالارتباط بالآخر، وفى هذا الارتباط يكتمل وجود الذات الفردية أولاً، ومع اكتمالها ينبثق عنها غيرها! وحقيقة هذا الآخر المنبثق عن الذات أنه امتداد لها وتجديد لوجودها وأن تعددت الأشكال الفردية الناتجة عن هذا التجدد والاستمرارية! وقد تعمقت هذه الرؤية الجديدة عندى أكثر وأكثر حينما وجدتنى فجأة وقد عدت وحيداً بعد وفاة الزوجة وابتعاد الأبناء وانشغالهم بحياتهم الخاصة، حيث تصورت فى البداية أن عودتى لحياتى الفردية ربما تخلصنى من عبء المسئوليات الأسرية والاجتماعية فأسعد من جديد بحياتى الفردية! ولكن هيهات أن يحدث ذلك لأن العكس قد حدث حيث صارت حياتى الفردية ومتطلباتها هى العبء الحقيقى! ففد وجدت أن فقدان الحياة الاجتماعية لى كفرد هى فقدان للحياة ذاتها حيث أصبحت الحياة بلا معنى وأصبح وجودى فيها بدون شريك أو أنيس يساوى العدم أو بالأحرى يساوى الموت! ولأسارع إلى القول بأننى لا أخشى الموت فهو فى اعتقادى الحد الآخر للحياة، لكن أن تفتقد الآخر الذى تحبه فى حياتك يعنى أن تعيش الموت وهيهات للانسان الواعى بأهمية الحياة أن يكتفى بالصمت والحوار مع حوائط منزله الأربعة! ولعل هذا هو البرهان الأكيد على صحة مقولة أرسطو المشار إليها فى مطلع المقال!

والخلاصة أن على الانسان الفرد أن يدرك أن كمال وجوده لا يتحقق إلا فى حياة اجتماعية حتى لو كانت على غير هواه!