رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين السطور

منذ وقوع حادث القتل الغريب هذا وعلمى بحكم عملى كصحفية حوادث بخبر جريمة المتهمة بقتل طفلها فى إحدى قرى فاقوس وقيامها بتقطيعه وتشفيته وطبخ أجزاء منه، بل تناولت بعضاً منها لإخفاء معالم الجثة، وأنا أدعو الله ألا تكون هذه الأم القاتلة عاقلة أو مدركة ما ارتكبته، فقد أُصبت بقشعريرة لم أشعر بها من قبل رغم قيامى بتغطية المئات من الحوادث الإرهابية والجنائية وغيرها، بل أنفت من أكل اللحوم تماماً، وأصبت بجزع منها للآن، وأعتقد أن شعورى نفسه تجاه هذه المتهمة انتاب جموعاً غفيرة من الناس لما تضمنه اعتراف الأم القاتلة بقيامها بأكل أجزاء من طفلها فلذة كبدها. وهذا الجرم بمفرده منافٍ تماماً للطبيعة البشرية جمعاء، لأنه لا يمكن أن تقوم أم طبيعية بارتكاب مثل هذه الجريمة.

وعلى الرغم من أننى أشاهد العديد من الجثث مشوهة وغير مشوهة فى مواقع الأحداث بحكم عملى الصحفى، فلم أتحمل اعترافها بتناول أجزاء منه.

إن هذه القضية أحدثت صدمة لدى الرأى العام، وتعد من أغرب وأبشع حوادث القتل فى البلاد ببشاعتها وطريقتها التى تحدث لأول مرة بين البشر فى بلادنا، خاصة أن المتهمة هى الأم التى تمثل لصغيرها الحضن والأمان والملاذ، ولم نرَ مثلها من قبل، وما بين الرجاء الذى انتابنى بأن يكون بها مرض عقلى، وما بين محاكمتها للقصاص منها لما ارتكبته من جرائم فظيعة. كنت أدور فى فلك المتابعة للتحقيقات وجلسات محاكمتها وترقب الحكم الذى هو عنوان الحقيقة، لكننى وبحاستى وخبرتى الصحفية وأمام إخراج هيئة المحكمة للمتهمة من قفص الاتهام للمثول أمامها ومناقشتها مراراً وتكراراً فى كيفية ارتكابها الواقعة، ولماذا قتلت ابنها، وهى فى كل مرة تشرح أنها «مش هاتعمل دا تانى ومش هاتشاكل مع حد ولاهاقتل ابنى تانى ودى غلطة وخرجونى من هنا أنا عاقلة والله» وتشير إلى اللجنة وتقول «عايزين يطلعونى مجنونة ويبوظوا سمعتى» وتعيد طلبها بأن تخرج «ومش هاتعمل كدا تانى». هنا أيقنت أن المحكمة أرادت أن تشاهد وتفحص وتمحص حركات وتحركات المتهمة أثناء مناقشتها فى جلسات المحاكمات العلنية ومدى اتساق كلماتها مع إدراكها الحسى والسمعى والبصرى، خاصة أن هيئة المحكمة الموقرة كان أمامها تقريران طبيان مختلفان، الأول أصدرته اللجنة الثلاثية يؤكد سلامة قواها العقلية، والآخر أعدته اللجنة الخماسية ويؤكد أن المتهمة كانت تعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب ذهنى وعدم سلامة قواها العقلية. وأنها غير مسئولة عن فعلها، وعندما حجزت المحكمة القضية للنطق بالحكم دون إحالة أوراقها أيقنت تماماً أن المحكمة لاحظت وأبصرت عدم إدراك المتهمة ما ارتكبته مما يجعلها تفلت من العقاب بحكم الآفة العقلية، وذلك طبقاً لنص القانون الذى يقضى فى مثل هذه الحالات التى بها مرض عقلى بامتناع العقاب. أى يُمتنع عقابها لعدم إدراكها ما تفعله. كان هذا واضحاً وجلياً عند صدور الحكم عليها أيضاً، حين أعلن المستشار سلامة جاب الله رئيس دائرة الجنايات الحكم ببراءتها وإيداعها مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية، فجاء منطوق الحكم، يقضى ببراءة المتهمة من التهم المنسوبة إليها كونها تعانى آفة عقلية، وإيداعها إحدى منشآت الصحة النفسية، فقد كانت المتهمة غير عابئة بصدور حكم براءتها، وكانت تجر قدميها أثناء خروجها من قفص الاتهام لحظة النطق بالحكم، وأثناء إعادتها إلى القفص عقب صدور الحكم، ولم تبدِ أية إيماءة أو أى رد فعل لا بالفرح ولا بالحزن، وكأنها لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم.