رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

أنا من جيل عاش زمن الهزيمة وفرح بالنصر، جيل تفتحت عيناه على ثورة عظيمة غيرت وجه الحياة على أرض مصر وتأثر بها العالم أجمع ومن ثم كان زعيمها جمال عبدالناصر رمزا لعزة وكرامة كل المصريين، وكم كان صعبا على هذا الجيل أن يرى رمز عزته وفخره مهزوما! إن تلك السنوات الست التى عاناها المصريون فى ظل الهزيمة لم تكن إلا درسا قاسيا تجمعت ارادة المصريين كما لم تتجمع وتتحد من قبل لمحوه تماما من الذاكرة، حيث تحول كل شيء وتركزت كل الجهود والامكانيات لغرض واحد اتفقوا عليه فى صمت وألم هو تحويل الهزيمة إلى نصر، ولم يكن يقطع صوت هذا الصمت المؤلم إلا حناجرنا الهادرة فى المظاهرات الطلابية فى الجامعات والعمالية فى المصانع التى كانت تطالب بالثأر وعدم تأخير قرار الحرب لأننا شعبا وحكومة كنا على يقين من أن «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها» وأن محاولات السلام والمفاوضات مع اسرائيل ذلك الكيان الذى زرع فى غير أرضه لا فائدة منها لأنه لن يتنازل عن شبر استولى عليه دون أن يجبر على ذلك!، لقد مرت هذه السنوات الست الحزينة ببطء قاتل على صدور المصريين وتحملوا فيها كل صنوف القهر والألم أملا فى أن يأتى يوم النصر. 

ولما حانت اللحظة التى كنا فى جامعاتنا ومدارسنا ننتظرها بشغف لا حدود له وبقلق لا يدانيه قلق آخر ، لم نكن نصدق ما يحدث وأن معركة استرداد الحق والكرامة قد بدأت! لقد كنت فى ذلك الوقت بقريتى شوبر مركز طنطا والتصقت أذناى بالراديو مع اذاعة البيان الأول الذى أعلن فيه بدء المعركة وتوالت البيانات العسكرية التى تنقل أخبار المعارك بعد ذلك، وكانت تتسم بالواقعية والصدق ولا مانع يمنع من أن نستمع إلى الاذاعات الأجنبية للتأكد من صحة الأخبار والتهليل مع كل خطوة يخطوها جنودنا على أرض سيناء والفخر بكل نصر يحققونه على العدو. لكن اليقين لم يترسخ بنصرنا المؤزر فى تلك المعركة إلا حينما شاهدت بعينى رأسى تلك المعارك الطاحنة التى دارت فى سماء قريتنا والقرى المجاورة بين الطيران المصرى وطيران العدو يوم الرابع عشر من اكتوبر، حيث كانوا يستهدفون فيما يبدو تدمير القواعد والمنشآت العسكرية فى منطقتنا والهجوم على المصانع والمنشآت المدنية فى ذات الوقت! 

وقد تناثرت فى تلك الأثناء وبعد الحرب القصص والحكايات حول ما حدث فى تلك الأيام، حيث الحفر التى خلفتها تلك الطائرات وقذائفها فى الأراضى الزراعية، وذلك الفلاح الذى أطاحت برأسه احدى الشظايا المتطايرة وهو يركب حماره وكان فى طريقه إلى الحقل، وذلك الطيار  الاسرائيلى الذى نجا وتجمع حوله الناس حتى أسرته القوات المسلحة!

ومازلت أذكر أنه بعد وقف اطلاق النار وعودتى إلى القاهرة لمواصلة العام الدراسى ذلك المعرض الرائع الذى أقمناه فى الكلية احتفالا بالنصر وزينا مدخله الأيمن  بتمثال للجندى المجهول مصنوع من شظايا ومخلفات المعارك الحربية! وكم كنت سعيدا بقصيدتى الشعرية  التى كانت بعنوان «قصة ثعبان تمادى فهوى» وتحكى قصة اسرائيل منذ نشأتها واحتلالها الأرض حتى هزيمتها عام 1973م التى كتبت بخط عريض وعلى عدة فروخ من الورق المقوى وهى تزين الجانب الأيسر من مدخل ذلك المعرض! 

لقد كانت أياما سعدنا فيها بتذوق طعم الانتصار وفتحت لنا أبواب الأمل لمستقبل مشرق ينتظر الوطن المكلوم بفقدان خيرة شبابه دفاعا عن الأرض والعرض.