رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نداء القلم

من المولد المبارك حتى الانتهاء إلى الرفيق الأعلى عاش -صلوات الله وسلامه عليه- حياته فى بعدها الزمنى المحدود بزمان ومكان، فكان كاملاً مُكمّلاً فى خصاله الشريفة ومناقبه العفيفة. لم تصف اللغة ولن تستطيع أن تصف وصفاً من أوصافه على التحقيق؛ لأن الكمال فيه لا يوصف بلفظ ولا يحيط به تصوّر محدود، وبخاصّةٍ إذا كان الكامل يجسّد صفة إلهيّة لا وصف لها إلا النور الذى يشملها ويضمّها.

محمدٌ رسول الله، ولكنه مع ذلك هو قبضة النور. محمدٌ المُبلغ رسالة الله للعالمين، هو الرحمة المُهداة من قبل الله إلى خلق الله أجمعين، ولكنه مع ذلك لولاه لم تُخلق الدنيا من العدم، لولا محمد فى البعد الروحى لا البعد الزمنى ما خُلقت الدنيا من العدم. وجوده الروحى أسبق من وجود جميع الأنبياء، ومددُ الأنبياء وعلومهم ومعارفهم من مدد نوره السابق.

ولمّا أن ولد، صلوات الله وسلامه عليه، فى الفترة الزمنية التى وجدت فى زمانها ومكانها، تمثل النور فيه كاملاً فظهرت حقيقته النوريّة الباطنة فى مظهره الكامل، ولكنها مع ذلك لم تكن لتظهر فيه ولا فى غيره من إخوانه الأنبياء إلّا لإظهار الحقائق الإلهيّة.

ومع أنه السابق للخلق نوره، إلا أن الأنبياء أسبق منه فى الوجود الزمنى، ولم يسبقوه فى الوجود الروحى، غير أنه خاتمهم، خاتم هذا الموكب الخالد، موكب النور الذى تقدّمه وختمه فى نفس الحال.

لقد سمّاه القرآن الكريم داعياً إلى الله بإذنه، وسمّاه سراجاً منيراً؛ فالدّعوة إلى الله على الإذن خاصّةُ محمد رسول الله كما كانت خاصّة الأنبياء جميعاً من قبله، فهو يدعو إلى الله بالإذن المخصوص بالرسالة؛ فهو رسول مبلغ للرسالة، مأذونٌ بالدعوة إلى الله على بصيرة لا بل على وحى الشريعة والتنزيل.

هذا بعدٌ زمنى محدود بزمان ومكان، المساحة فيه مع كمالها محصورة فى تاريخ المولد والنشأة والدعوة ثم الانتقال إلى الرفيق الأعلى، لكنه فى نفس الوقت رحمة للعالمين تتجاوز حدود الزمان والمكان والمدّة الزمنية التى عاشها فى حياته الشريفة المباركة بمدد لا ينقطع ولا يزول، هو مدد النور المحمّدىّ: أوليّته وقدمه.

ومن أجل هذا، سمّاه سراجاً منيراً، سراجاً منيراً للكون من الأزل إلى الأبد. الإنارة سرمدية لا تتوقف على فترة زمنية محدّدة بزمانها ومكانها، فإذا السّراج المنير هذا لا ينصرف إلى البعد الزمنى وحده، بل يتعدّاه إلى البُعد الروحى الذى لا ينقطع بانقطاع فترة النبوّة، فهو الذى منه يشع النور ليملأ الأرض والسّماء كما يملأ القلوب والأرواح والأسرار واللطائف والأذواق، ومنه تكون الهداية يتوخّاها الصُّلحاء، وفى التعلق به يكون الهُدى والكمال والرفعة كما تكون علوم الأولياء.

لم يكن عُرفاء الإسلام بالذين يستقون من مشكاة الأنوار نوراً غير نور النبوة؛ ليمدهم بمدد موصول لم يكن لينقطع ولا ليزول فى حين انقطعت النبوة بوفاته على التحقيق، وبقى منها الميراث وهو الأبقى والأدوم يدور فى فلك إظهار الحقائق الإلهيّة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ولم يكن ميراث النبوة سوى هذا المدد الدائم من فيض فضل نوره، صلوات الله وسلامه عليه، سواء كان علماً أو خُلقاً أو نوراً أو ولاية وتحقيقاً.

وسمّاه القرآن الكريم الإمام المبين؛ إذ أحصى كل شيء فيه، ولم يكن المجئ سابقاً فى الترتيب على المعجزة إلا بفضل تقدّمه سبق النور (قد جاءُكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين)؛ فالنور أسبق فى الترتيب من المعجزة التى هى الكتاب المُبين، إذ كان النور التام الكامل هو محمد رسول الله. لا شئ إلا وهو به منوط فى كل عروج وهبوط؛ إذ لولا الواسطة فى وصول الإمداد وحصول الإسعاد لذهب كما قيل الموسوط؛ بدليل «إنّما أنا قاسم والله يعطي» (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). 

وعلى هذا البعد الروحى جاز للذين عرفوه أن يصلّوا عليه بمطلق الأمر الإلهى، وبمطلق استمراريته فى قوله «يصلون»: الفعل المضارع الذى يدل على الاستمرارية. وفى الصلاة اتصال باليقين الذى لا شك فيه. فلا يتصل متصل إلا من طريق الصلاة عليه ولا ينقطع منقطع وفى قلبه محبته وموالاته على تحقق المنهج وموافقة الاتّباع.

لا تحتاج الحفاوة بمطلع النور إلى قناعة عقليّة، ولكنها تحتاج إلى لطيفة ربّانيّة مُلآنة بالمحبّة لسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: منقذ البشرية من مهاوى الفناء. والمحبّة اتّباع : «قُل إنْ كنتم تحبُّون الله فاتّبعونى يُحببكم الله». ولا يجب فى كل ما كان محبوباً أن يكون محبوباً لشيء آخر وإلا لدار أو تسلسل؛ بل لا بدّ أن ينتهى إلى ما يكون محبوباً لذاته.

وعليه؛ فالاستقراء يدل على أن معرفة الكامل من حيث هو كامل يوجب محبته.

صلوات الله وسلامه عليه