عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

البشر والحجر تضررا

كنوز المغرب المخبأة تحت الأنقاض

بوابة الوفد الإلكترونية

فى الوقت الذى تلهث فيه الإحصائيات لتحصد أعداد القتلى والمضارين جراء كارثة زلزال المغرب الشقيق، الذى وقع منذ أيام مضت، كان هناك اهتمام آخر وعيون أخرى تنصب نحو المبانى والآثار ذات الأهمية التاريخية الكبرى التى تعرضت للخطر، ولأن ما فُقد منه كان كنوزًا، فقد شكل الأمر صدمة عنيفة للمؤرخين وعلماء الآثار فى العالم أجمع، خاصة أن معظم الآثار المضارة تقع فى مدينة مراكش العريقة، بما تمثله من أهمية تاريخية تضرب بجذورها فى عمق التاريخ.

فها هو روبرت جون يذكر فى كتابه «الشرق الأوسط وأفريقيا»، أن مراكش هى المغرب، حتى أن كلمة «المغرب» محولة اشتقاقيًّا من كلمة «مراكش»، وظلت هذه المدينة التاريخية، التى أسسها المرابطون عام 1070 مركزًا سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا لفترة طويلة، وكان تأثيرها واضحًا فى جميع أنحاء العالم الإسلامى الغربى، من شمال أفريقيا إلى الأندلس، وهو ما تجسده المعالم الأثرية الرائعة التى يعود تاريخها لتلك الفترة، بما فى ذلك القصبة والأسوار والأبواب الأثرية والحدائق.

وتكمن أهمية مراكش التاريخية فى أنها كانت مركزًا لاثنتين من أهم الإمبراطوريات فى شمال أفريقيا (المرابطون والموحدون)، وهما أهم سلالتين أمازيغيتين فى الغرب الإسلامى خلال العصور الوسطى، إذ سيطرتا على المنطقة التى شملت جنوب إسبانيا والبرتغال والمغرب والجزائر وتونس.

• وربما ترجع أسباب تركز أضرار زلزال الحوز الأخير فى مدينة مراكش إلى أن معظم الآثار فى منطقة الزلزال تعود للعصر الإسلامى، وعمرها قرون. ولم يتم أخذ الزلازل فى الاعتبار عند تشييدها، كما توجد صعوبة فى الوصول السريع لفرق الإنقاذ إلى هذه الآثار؛ لأنها تقع فى حارات ضيقة، توجد بها المهن التراثية، ومنها ما يوجد فى أعالى الجبال، وبعض الطرق المؤدية إليها مدمرة نتيجة التشقق أو توجد صخور وأشجار عليها، وتلك المناطق بدائية ومبانيها ضعيفة.

وفيما يلى نستعرض أبرز الأضرار التى لحقت بالأماكن الأثرية والتراثية جراء زلزال المغرب:

فقد ضرب الزلزال الذى بلغت قوته 7 درجات، ووصفته هيئة المسح الجيولوجى الأميركية بأنه «أقوى زلزال يضرب البلاد منذ أكثر من 120 عاما»، ضرب أقاليم ومحافظات الحوز ومراكش وورزازات وأزيلال وشيشاوة وتارودانت، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن المتضررين جراءه تجاوزوا أكثر من 300 ألف شخص.

** المدينة العتيقة:

والمدينة العتيقة تعد من أهم المعالم السياحية فى مراكش، المعروفة أيضا بالمدينة الحمراء وعاصمة النخيل، وهى ثالث أكبر مدينة فى المملكة من حيث التعداد السكانى بنحو 2 مليون نسمة، وبنيت تلك المدينة عام 1071 كعاصمة للدولة المرابطية على يد الأمير يوسف بن تاشفين، وتضم مجموعة من الآثار التى تركها الموحدون والمرابطون، وكذلك السعديون، ومنها الأسوار والأبواب، وجامع الكتيبة ومنارته التى تبلغ 77 مترًا من العلو وكذلك المنازل التقليدية القديمة من «رياضات» (مبان سكنية فخمة شبيهة بالقصور) وغيرها مما يشتهر بطرازه المغربى القديم.

وأشارت وسائل إعلام مغربية إلى أن بعض المبانى انهارت فى المدينة القديمة، وكذلك أجزاء من سور المدينة الذى يعود تاريخه إلى العصور الوسطى.

كما نشرت مقاطع مصورة تُظهر تضرر أجزاء من الأسوار الحمراء الشهيرة التى تحيط بالمدينة القديمة.

*انهيار صومعة مسجد الكتيبة:

تسبب الزلزال فى إلحاق أضرار بصومعة جامع الكُتبية، الذى يعد من أقدم المساجد فى المغرب، وهو من أشهر المعالم السياحية فى مراكش.

ويعد مسجد الكُتبية فى مراكش، من أعرق المساجد المغربيَّة، إذ بُنيَ عام 1147 على أنقاض أحد القصور المرابطية القديمة. وتبلغ مساحته 5,300 متر مربع، ويتكوَّن من 17 جناحًا، و11 قبة مزدانة بالنقوش، ويظهر فيه بوضوح طابع العمارة الأندلسى، وتُعرف مئذنته التى يبلغ ارتفاعها 69 مترًا (226 قدمًا) باسم «سقف مراكش».

وأشارت تقارير إلى أن جزءًا من المئذنة التى تعلو جامع الفنا، وهو ساحة سوق ومركز للزوار، انهار، كما غطى الركام أزقة حى الملاح اليهودى القديم فى وسط مراكش بعد انهيار أبنية قديمة وتحطم أسقف خشبية.

* إقليم ورزازات

تقع ورزازات فى سلسلة جبال الأطلس الكبير، تزخر المدينة بالنقوش التى تروى أصول المدينة وشكلها فى أزمنة غابرة، ويُعد قصر «آيت بن حدو» معلمًا بارزًا للهندسة التقليدية السائدة، وصُنف بدوره ضمن الإرث الإنسانى العالمى الخالد من قبل «اليونيسكو»، ويحظى بإطلالة بانورامية خلابة على واحة النخيل.

* مدينة أكادير

تتميز بشواطئ رملية ناعمة، ومتاحف، وملاعب للجولف وحياة ليلية غنية بالحيوية، ويعد ميناء أكادير من أهم موانئ الصيد فى المغرب وأكبر ميناء لصيد السردين فى العالم.

* إقليم أزيلال

تعد مدينة أزيلال واحدة من الجواهر غير المعروفة جدا فى البلاد. تلتقى المسارات فى هذه المدينة فى نقطة وسطية تربط بين المحيط والصحراء، حيث تختلط الثقافات. وتساهم التقاليد العربية والبربرية بإحياء جو خاص فيها.

وعلى بعد 36 كيلومترًا غرب أزيلال، تنبثق شلالات «أوزود»، مشكّلةً منظرًا رائعًا، حيث تنهمر مياه الشلالات من ارتفاع يتجاوز 100 متر.

ورغم ما سببه ذلك الزلزال من أضرار إلا أنه ليس الأول من نوعه الذى يتجرع المغرب ويلاته، فقد تعرض المغاربة لهزات أرضية عنيفة، بعضها دمر معالم تاريخية بارزة، نركز هنا عليها:

ففى يوم 29 فبراير 1960، وقعت الهزة المدمرة التى استغرقت 12 ثانية فقط، بقوة 5.7 درجات على مقياس ريختر، وكانت نتائجها مفجعة على مدينة أغادير المغربية، المطلة على المحيط الأطلسى، إذ قتلت قرابة ثلث سكان المدينة، وبلغ عدد القتلى 15 ألف قتيل، وشرد 35 ألف نسمة، بالإضافة إلى خسائر مادية قدرت آنذاك بـ290 مليون دولار.

وتسبب الزلزال فى التدمير الكلى للحيين التاريخيين الرئيسيين فى المدينة، وهما حى القصبة وحى فونتى.

فما بقى من عمارة منهما هو أجزاء من الأسوار التاريخية الضخمة المحيطة بأغادير، والتى يعود بناؤها فى الأصل للدولة السعدية، تحديدا عام 1541.

وكذلك أتت الهزات على ضريح «لالة يامنة نتغنيمين»، الذى يعد من مزارات الصوفية.

وطمس الزلزال كثيرًا من المعالم القديمة منها قبور الأولياء، فلم يتبق بالقلعة إلا أجزاء من ضريح «سيدى بوجمعة أكناو» الذى يعد مزارا للطائفة الكناوية (الفنية الغنائية) بالمغرب. 

* كما وقع زلزال الحسيمة، فى 24 فبراير 2004 بقوة 6.5 درجات بمقياس ريختر، فى الإقليم الواقع شمال المملكة، وعد زلزال الحسيمة من أسوأ الكوارث الطبيعية فى منطقة المغرب العربى قاطبة.

وقد أحدث دمارا كبيرا فى المنطقة المحاطة بتضاريس جبلية، وتسبب فى مقتل أكثر من 600 شخص وإصابة مئات آخرين، وتشريد أكثر من 15 ألفًا نتيجة انهيار أكثر من ألفى مبنى.

وتسبب الزلزال فى تدمير العديد من المناطق والقرى القديمة، أهمها بلدة آيت قمارة التى يقطنها نحو 7 آلاف نسمة، وبنيت أغلب مبانيها بالطوب على الطراز المغربى القديم، حيث دمرت بشكل كامل.

كما لحقت الأضرار الفادحة بالعديد من البلدات والقرى المحيطة ببلدة آيت قمارة مثل إمزورن، والسنادة، وأنكور.

ومن المعالم التاريخية التى تأثرت وجرى ترميمها قلعة طوريس (صنهاجة) وهى قلعة عسكرية من 5 أبراج تطل على البحر الأبيض المتوسط، ويرجع تاريخها إلى القرن 15 حيث دخلها الإسبان عام 1563، بعد تشييدها من طرف البرتغاليين، وحدثت تشققات ببعض الأبراج قبل أن تقوم الحكومة المغربية بترميمها. 

وبعد، فإن فواجع الطبيعة مثلما تنال الأرواح البشرية، فإنها تصيب تاريخ هؤلاء البشر، فتصبح مهددًا واضحًا للماضى والحاضر والمستقبل معا، وهو ما يستلزم معه تحركًا دوليًّا سريعًا، وخطوات استباقية للبلاد المعرضة لأخطار الطبيعة، لحماية تراثها وتاريخها بنفس القدر الذى يجب أن نحمى به البشر، فلا يستقيم حاضر دونما ماضٍ.