رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إعصار ليبيا "كارثة إنسانية" تضاعف من آلام الليبين

اعصار ليبيا
اعصار ليبيا

كل الكلمات لم تكن أبدًا كافية للتعبير عن حالة الحزن المقرونة بالأسى الشديد في وصف أسوأ مأساة إنسانية لم تشهدها ليبيا منذ مئات السنين، فمن كانوا بالأمس يرسمون خطى المستقبل أضحوا اليوم في تعداد المفقودين تحت أنقاض منازلهم التي جرفتها السيول، لتستقر بهم في مقابر جماعية دفنت معها أمال وأحلام المستقبل وضاعفت من جراح ليبيا المنكأة منذ أكثر من عقد بفعل الحروب.

على مدى يومين متصلين ضرب إعصار المتوسط "دانيال" القادم من تركيا واليونان وبلغاريا مدن ومناطق الشرق الليبي، إذْ اجتاحت السيول المفاجئة مناطق بأسرها، لتتحول مدينة درنة التي يقطنها نحو 200 ألف نسمة إلى منطقة منكوبة، كما جرفت مياه الأمطار الغزيرة والفيضانات سكان مدن المرج وشحات والبيضاء وسوسة وطبرق وكل مدن وقرى الجبل الأخضر والساحل الشرقي، وصولًا إلى بنغازي.

آلاف الضحايا والمفقودين: 

 بحسب مسئولين كبار في الحكومة الليبية خلف الإعصار نحو 5200 قتيل و10 آلاف مفقود وحوالي 20 ألف عائلة نازحة حتى الآن، كما تمكن المواطنون فى مدينة درنة من دفن جثامين حوالى 350 شخصًا، فيما لاتزال فرق البحث والطوارئ وجهاز الإسعاف ورجال القوات المسلحة العربية الليبية يواصلون انتشال جثث العالقين تحت الأنقاض والمفقودين نتيجة مياه الفيضانات التي غمرت القرى والأودية ودمرت الطرق  والمنازل، كما تم توزيع النازحين على الكثير من المدارس منها: "مدرسة قرطبة، والكرامة، وشهيرات الإسلام، شهداء الليثي، السيدة رقية" ببنغازي.

المشهد في درنة:

 في وصف دقيق للمشهد في مدينة درنة على وجه الخصوص، قال وزير الصحة بالحكومة الليبية عثمان عبد الجليل: “إن الضحايا تقطعت بهم السبل وتناثرت الجثث في كثير من مناطق المدينة التي انعزلت بشكل كامل عن محيطها لساعات طويلة نتيجه انجراف الطرق وسقوط المباني، وتدمير سدين أساسيين في مدينة درنة وانهيار ما يقرب من 5 جسور أخرى”.

كما أحدثت العاصفة أيضًا دمارًا في البنية التحتية لبعض المناطق، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي وجرف الطرق والجسور، كما تعرضت المدارس والمستشفيات لأضرار جسيمة، الأمر الذي يصعب معه تحديد دقيق للأعداد الكبيرة من الوفيات والمفقودين على الرغم من المجهود الكبير الذي تقوم بها القوات المسلحة العربية الليبية وفرق الإغاثة الإنسانية.

وقال عبدالجليل: "إنه لازال هناك أعداد مفقودة وأعداد أخرى قد انتقلت إلى رحمة الله، ونحاول قدر المستطاع هذه الساعات بالتعاون مع القوات المسلحة العربية الليبية والجهات المعنية كافة لتوفير الخدمات الطبية اللازمة وتقييم أكثر كفاءة ودقة للوضع الصحي والإنساني المتأزم في مدينة درنة وباقي مدن الجبل الأخضر"، من خلال تكثيف عمليات البحث وزيادة تنظيم الحصر وتقديم الرعاية الطبية والطبية المساعدة وفق الخطة الموضوعة بالتعاون مع الجهات المعنية والقوات المسلحة كافة"، مشيرًا إلى أن عدد ضحايا قد يرتفع إلى 10 آلاف شخص وهو ما ينذر بكارثة إنسانية في المدينة.

أثار الكارثة:

 تابع وزير الصحة بالحكومة الليبية عثمان عبدالجليل اليوم الثلاثاء: أن أعداد الوفيات التي ستظهر غدًا في درنة «مخيفة» وستكون أكبر بكثير مما هو معلن حاليًّا، مضيفًا أن الوضع ما زال خطيرًا في المدينة الواقعة بشرق ليبيا، إذْ توجد هناك أماكن لا تزال معزولة، بعد أن جرفت السيول أحياء كاملة في درنة.

في السياق، أشار هشام شكيوات وزير الطيران المدني بالحكومة الليبية إلى أنه تم انتشال آلاف الجثث في مدينة درنة التي اجتاحتها السيول، وأنه من غير الممكن إحصاء العدد الكلي للقتلى في الوقت الراهن، لكن العدد كبير للغاية، مضيفًا أن  الأمر كارثي للغاية و"الجثث ملقاة في كل مكان بالبحر، في الأودية، تحت المباني".

 تابع وزير الطيران المدني: "ليس لدي عدد إجمالي للقتلى، لكن هو كبير كبير جدًّا.. عدد الجثث المنتشلة في درنة ولا أبالغ عندما أقول إن 25% من المدينة اختفى واختفت كثير من المباني انهارت".

 في تصريحات صحفية حول المشهد هناك قال المجلس البلدي درنة: “إن أعداد ضحايا الإعصار في درنة تجاوز 4500 شخص وتسجيل 10 آلاف مفقود حتى الآن، مطالبًا بضرورة التدخل الدولى العاجل لإنقاذ المدينة التى تعانى من انهيار بسبب الكارثة، مؤكدًا أن الجهود المحلية فى ظل الإمكانيات المحدودة لن تنجح فى التعامل مع الكارثة التى تعيشها مدينة درنة”.

 لماذا درنة الخسائر الأكبر؟

من جهته قال المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي: "إن جميع مناطق شرق ليبيا عدا بنغازي تقع بمحاذاة أو وسط الجبل الأخضر الضخم، إلا أن وقوع نصف درنة تحت مجرى الوادي هو السبب في ارتفاع حجم الأضرار المادية والبشرية في المدينة".

وذكر "الدرناوي" في تصريحات صحفية، أن “وادي درنة هو مصب لكل السيول القادمة من جنوب درنة من مناطق المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات”، وبعد امتلاء وادي درنة بفعل إعصار "دانيال"، انهار اثنان من السدود التي كانت الضامن الوحيد لاحتباس مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل فكانت الكارثة المحققة"، والسدان المنهاران هما سد "البلاد" وسيدي بومنصور اللذان يحبسان في العادة مياه السيول في الوادي".

 قال الدرناوي: "إن وادي درنة هو أشهر واد في ليبيا وأبرز معالم المدينة إلا أنه في ذات الوقت يشكل مصدر خطر دائم على السكان لكونه سبق أن تسبب في كوارث مشابهة لما يعيشه السكان اليوم جراء إعصار دانيال"، ففي عام 1941، حدث فيضان كبير في وادي درنة وضرب المدينة وجرف من قوته دبابات وآليات حربية ألمانية إلى البحر"، وكان ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، لذلك لم يتحدث أحد عن الأضرار البشرية التي وقعت آنذاك مع الجزم أنها كانت كبيرة".

أما عام 1959، فأوضح الدرناوي: "أن فيضانًا كبيرًا آخر حدث بسبب ارتفاع مستوى المياه في الوادي أوقع قتلى ومصابين بالمئات ودمر الكثير من المنازل ومن شدة قوته حركت المياه المندفعة الصخرة الكبيرة في درنة، المعروفة بصنب الزيت، إلى مسافة كبيرة من منطقة عين البلاد حتى منطقة وسط المدينة".

مراكز الإيواء: 

 في إطار استيعاب آثار الكارثة تم تجهيز عشرات المدارس ومراكز الإيواء في مدينة بنغازي لاستقبال النازحين من المناطق المنكوبة بمدن ومناطق الجبل الأخضر، بالتعاون مع الجمعيات الخيرية والمتطوعين، واللجنة العليا للاستجابة السريعة، المشكلة بقرار من الدكتور أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب لتقديم الوجبات والأغطية وغيرها من المساعدات، كما جرى استبعاد المدارس القريبة من البحر مثل قاريونس والصابري، وتجهيز مدارس أخرى في حال زيادات أعداد النازحين.

 أرجع الخبير البيئي، دوميط كامل، رئيس حزب البيئة العالمي "جمعية للتوعية بالبيئة مقرها بيروت" في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن سبب القوة التدميرية لإعصار "دانيال" إلى التطرف المناخي الذي يضرب العالم، وتوحش الظواهر المناخية سواء الأعاصير أو السيول أو الارتفاع غير المسبوق لدرجة الحرارة لنصل إلى ما يعرف بـ"عصر الغليان".

حداد على أرواح الضحايا: 

الحكومة بدورها أعلنت الحداد لمدة 3 أيام على أرواح الشهداء الذين سقطوا بالآلاف، كما أعلنت مدينة درنة من المدن منكوبة بعد تعرضها لسيول وأمطار جارفة أضرت بالمدينة وسكانها، كما تم تنكيس الأعلام حدادًا على أرواح الشهداء إلى جانب، مواصلة الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة للتعامل مع الوضع في المدينة وحماية السكان ومساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة.

كما خصص رئيس الحكومة الليبية رئيس اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة الدكتور أسامة حماد، نحو 200 مليون دينار ليبي  للبلديات والمدن والمناطق المتضررة من السيول والفيضانات التي خلفتها العاصفة المتوسطية وذلك لمواجهة الأضرار الواقعة بمناطقهم ومدنهم.

تاريخ السدود في درنة:

 يعود تاريخ بناء السدود في مدينة درنة إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي حين قامت أحدى الشركات "اليوغسلافية" ببناء سدين ركاميين "القلب من الطين المدموك، والجوانب من الحجارة والصخور" على مجرى الوادي، أبرزها"سد البلاد" الذي يبعد مسافة 1 كم جنوبًا من قلب المدينة بسعة تخزينية في حدود 1.5 مليون متر مكعب، وسد أبو منصور ويبعد حوالي 13 كم جنوب السد الأول، وهو سد كبير بسعة حوالي 22.5 مليون متر مكعب.

بناء هذه السدود أنهى مشكلة الفيضانات بالمدينة، والتي كانت تتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، من ذلك فيضان 1941 أن كميات الأمطار التي سقطت في فترة أقل من 24 ساعة تجاوزت في حوض تجميع الوادي 200 ملم، وهذا يعني أن حوض التجميع استقبل ما يزيد عن 115 مليون متر مكعب من المياه، وهي كمية أكبر بكثير من قدرة تحمل السدود مجتمعه، وهذه الكميات لم تسجل سابقًا في كل الفيضانات المسجلة.

 أظهرت آخر خرائط، نشرها رادار البث الفضائي، أن مركز العاصفة المتوسطية "دانيال" مدينة المرج شرق ليبيا، كما أشارت الخرائط إلى أن سرعة الرياح على بنغازي تراوحت بين 70 - 80 كم في الساعة، مصحوبة بسحب رعدية.

 الدور المصري تجاه ليبيا:

وأعلنت مصر الحداد 3 أيام تضامنًا مع الأشقاء فى المغرب وليبيا، فى ضحايا الكارثة الإنسانية الناتجة عن الزلزال فى المغرب والإعصار فى ليبيا، وفي لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة صباح اليوم بعدد من قادة القوات المسلحة، قدَّم خالص التعازى باسمه واسم الشعب المصرى فى ضحايا الكارثة الإنسانية فى المغرب وليبيا، موجهًا القوات المسلحة بتقديم الدعم الفورى والإغاثة الإنسانية، جوًا وبحرًا، للأشقاء فى ليبيا والمغرب، كما أكد الرئيس السيسى تضامن مصر الكامل ووقوفها بجانب الأشقاء فى المغرب وليبيا.