«اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء» ﻓﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ «اﻟﻐﻼء» أﺟﺒﺮ الجزارين ﻋﻠﻰ ﺧﻔﺾ أﺳﻌﺎر اﻟﻠﺤﻮم

20٪ انخفاضًا والسبب.. مبادرات الحكومة.. مقاطعة المستهلك.. «تقزم المبيعات»

فى لحظة مستحيلة.. وكأنه حلم ليلة صيف استيقظ المصريون على مفاجأة مذهلة نادرة الحدوث كأنها ظاهرة «غير طبيعية»، فجأة انخفضت أسعار اللحوم..

صحيح أن نسبة الانخفاض طفيفة ونسبية، لكنها فى النهاية «خروج على المألوف» والمتوقع، فقد تعود المستهلك المصرى على سهم صعود الأسعار خاصة فى الآونة الأخيرة، حيث انعدام الضمائر.. وجشع التجار وتعليق شماعة الغلاء على الدولار.. بالفعل أثبتت جولة الوفد بالأسواق هبوط أسعار اللحوم ما بين 10 جنيهات و20 جنيهًا بينما وصل الانخفاض لأكثر من 50 جنيهًا فى بعض المحافظات.

وكما نبحث فى أسباب الغلاء نبحث أيضًا عن سر الانخفاض قبل شهور وبدون مقدمات، فوجىء المصريون بارتفاع كبير فى أسعار اللحوم، ليقفز سعر الكيلو من 160 جنيهًا إلى 180 جنيهًا ثم إلى 200 جنيه فى ساعات قليلة، وظلت الارتفاعات تتوالى حتى تجاوز سعر الكيلو 400 جنيه!

وبعد ارتفاعات متوالية متتالية، وفجأة ودون مقدمات أيضا - تراجعت الأسعار بنسبة تصل لـ 20%، فتراوح سعر كيلو لحم الكندوز فى الأسواق ما بين 270 إلى 280 جنيهًا، بعدما تجاوز 400 جنيه فى بعض المناطق، بينما بلغ سعر كيلو الضأن بين 290 و300 جنيه.

لغز ارتفاع الأسعار قبل شهور، وسر تراجعها حاليا، فى هذا التحقيق..

 بدأت رحلة انخفاض الأسعار عقب عيد الأضحى، وتراجع الإقبال على شراء اللحوم، خاصة بعدما تصدت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى لجشع التجار بتدشين العديد من المبادرات فى المحافظات. 

وكشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فى تقرير له، أن مبادرة «سند الخير» التى أطلقتها وزارة التنمية المحلية عام 2022 حققت نجاحات كبيرة فى محاربة الغلاء، كما تواصل جهودها فى توفير السلع الغذائية بأسعار مخفضة للمواطنين وخاصة فى القرى الأكثر احتياجا على مستوى المحافظات.

وأشار مركز المعلومات فى تقرير له، إلى أن تخفيضات أسعار مبادرة سند الخير بلغت بين 20 و25% مقارنة بأسعار نفس السلع فى السوق الحر، وتقدم المبادرة 37 نوعا من السلع الغذائية للمواطنين.

وأضاف التقرير: سيارات المبادرة المتنقلة تتواجد فى 18 محافظة كمرحلة أولى فى الوقت الحالى، وسيتم مدها إلى باقى المحافظات فى الفترة المقبلة.

وبلغ حجم مبيعات اللحوم ما يقرب من 196,6 مليون جنيه، أما منتجات البقالة من (عسل – زبدة – سكر – أرز- زيت) فبلغت مبيعاتها 73.7 مليون جنيه، وإجمالى الدواجن (فراخ – بط – أوراك دجاج) بلغت 39 مليون جنيه.

 ومن جانبها طرحت وزارة الزارعة فى منافذها على مستوى الجمهورية لحومًا بتخفيضات تصل من 25 إلى 30%، وذلك ضمن الإجراءات التى تتخذها الدولة للتيسير على المواطنين.

شعبة القصابين: محاربة الجشع وراء تراجع الأسعار.

لم تكن مساعي الحكومة وحدها السبب فى انخفاض أسعار اللحوم بل هناك عوامل أخرى كشف عنها هيثم عبدالباسط، نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية، قائلاً إن الشعبة أطلقت مبادرة لدعم المواطنين فى ظل الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد، كما حرصوا على مناشدة كبار المربيين أن يلتزموا بالرحمة واللطف مع الجزارين أصحاب المحلات لكى نستطيع أن نوصل سعر كيلو اللحمة للمواطن بسعر مناسب.

خسائر الجزارين وصلت لـ40٪ خلال الشهور الماضية

وأشار نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية، إلى أن جميع المساعى جنت ثمارها من خلال تخفيض أسعار اللحوم بالتنسيق بين المربين والجزارين، مؤكدًا أن هذه المساعى تسببت فى حالة ركود لدى التجار الجشعين خاصة بعد عيد الأضحى، ومع درجة الحرارة العالية التى ضربت البلاد خشى الكثير من التجار على نفوق الحيوانات فعرضوا منتجاتهم بأسعار مخفضة. 

جزارون:

تغير ثقافة المواطنين مع اللحمة كلمة السر فى تخفيض الأسعار

أكد عدد من الجزارين أن سعر كيلو اللحمة انخفض لما بين 270 إلى 350 جنيهًا بعد أن كان يتراوح بين 400 و450 جنيها. 

وأشار عبدالغفار حمدي- جزار- إلى أن كثيرًا من المواطنين فضلوا شراء اللحوم من مبادرات الحكومة سواء السيارات المتنقلة والتى كانت تبيع كيلو اللحمة بـ 250 جنيها أو من منافذ الحكومة التابعة لوزارتى التموين والزراعة وغيرها من المبادرات التى أعلنت عنها. 

«الحركة قلت.. والبيع قل للنصف».. يستكمل الجزار حديثه ويقول إن ثقافة المواطنين تبدلت كثيرًا عن الماضى فكانوا فى السابق يقبلون على الشراء من أى منفذ لبيع اللحوم بأسعار مخفضة ويحرصون على التخزين ولكن حاليًا تبدلت هذه الثقافة وأصبح الجميع يشترون ما يحتاجون من أساسيات فقط دون تخزين. 

«لو استمر الحال على كده سعر كيلو اللحمة هينزل اكتر واكتر».. قالها سالم جمال، جزار، مشيرا إلى أن حال استمرار الحكومة فى مساعيها لمحاربة جشع التجار وتدشين العديد من المبادرات الخاصة بتوفير اللحوم بأسعار رخيصة، ذلك الأمر يجبر التجار من الجزارين على ضرورة تخفيض سعر كيلو اللحمة حتى لا يتعرضوا لخسائر فادحة. 

كما قال طاهر زين، جزار، إن خسائر الجزارين وصلت لـ 40 % خلال الشهور الماضية بعدما تراجعت حركة البيع والشراء لهم فى ظل مساعى الحكومة فى توفير اللحوم بأسعار مدعمة، فضلاً عن تغير ثقافة المواطنين بضرورة الشراء من الجزارين والإقبال على مبادرات الحكومة. 

وتابع: بقينا مستغربين ليه السنة دى بالتحديد الناس عرفت الصح والغلط.. ازاى فى غمضة عين الحكومة عرفت تخطف الزبائن مننا؟، ولو الحال استمر على كده هنخسر أكتر واكتر وهنبقى مجبرين نخفض أسعار اللحوم. 

نقيب الفلاحين: نفوق الكثير من الحيوانات أهم أسباب خفض الأسعار

قال حسين أبو صدام نقيب عام الفلاحين، إنه يتوقع استمرار انخفاض أسعار اللحوم الحمراء فى الأسواق خلال الفترة المقبلة.

وأكد نقيب الفلاحين، أن مساعي الحكومة فى الافراج عن كميات كبيرة من الأعلاف ساهمت فى القضاء على حجج التجار الخاصة بعدم توافر الأعلاف وارتفاع أسعارها. 

وأشار نقيب الفلاحين إلى أن أسعار اللحوم الحية شهدت انخفاضًا تراوح بين 15 و 20 جنيهًا، فى الكيلو الواحد، وبالتالى فإنه تقل أيضًا أسعار اللحوم بالأسواق .

وأشار «نقيب الفلاحين» إلى أن موجة الحر الأخيرة أسفرت عن خسائر كبيرة لكبار تجار الماشية خاصة بعد نفوق نسب متفاوتة من الماشية، نتيجة تعرضها للشمس بشكل مباشر، مما أدى إلى تخلص العديد من المنتجين من قطعانهم، الأمر الذى تسبب فى هبوط أسعار اللحوم قائمة.

خبير اقتصادى: أسباب كثيرة وراء التراجع

قال الدكتور السيد خضر، الخبير الاقتصادى، إن انخفاض أسعار اللحوم فى مصر بسبب زيادة الإنتاج المحلى ما أدى إلى زيادة المعروض وتخفيض الأسعار.

وأضاف الخبير الاقتصادى أن تشجيع المزارعين والمربين على زيادة الإنتاج من خلال توفير الدعم والتسهيلات اللازمة خاصة مع توفر الموارد العلفية، فمع انخفاض أسعار الحبوب والعلف الأخضر، تنخفض تكلفة الموارد العلفية، وبالتالى تنخفض تكلفة إنتاج اللحوم وتتراجع أسعارها فى الأسواق، أيضا التعديلات فى السياسات الحكومية من خلال تدخل الحكومة فى تنفيذ سياسات تهدف إلى تخفيض أسعار اللحوم، مثل خفض الرسوم الجمركية على استيراد اللحوم، أو زيادة الدعم المالى للمزارعين والمربين، أو تحسين برامج الرعاية الصحية للماشية، هذه التدخلات يمكن أن تؤدى إلى تخفيض أسعار اللحوم فى السوق.

كما نوه الخبير الاقتصادى بحركة التجارة الدولية مع زيادة فى حجم واردات اللحوم من الخارج بأسعار منخفضة إذا تم توفير اللحوم بأسعار تنافسية من الخارج، فقد يتم تخفيض الأسعار المحلية لتكون فى مستوى مماثل ومنافس من خلال تنفيذ العديد من المبادرات الداعمة للمواطنين من أجل تحسين مستوى الأسعار، أيضا تأثر إنتاج اللحوم قد يكون بالعوامل الطبيعية مثل تحسن الظروف المناخية أو انخفاض معدلات الأمراض فى الماشية، إذا كان إنتاج اللحوم أكثر كفاءة ويتعافى من الأمراض بشكل أسرع، فقد يؤدى ذلك إلى زيادة المعروض وتخفيض الأسعار.

عوامل أخرى كانت كلمة السر فى خفض أسعار اللحوم كشف عنها الدكتور السيد خضر وقال إن هناك عوامل أخرى تؤثر فى انخفاض أو ارتفاع الأسعار مثل معدل التضخم والطلب والعرض فى السوق الداخلى، وبالتالى استهلاك اللحوم فى مصر يعتبر من أعلى معدلات الاستهلاك فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يعتبر اللحم جزءًا هاما من النظام الغذائى للمصريين ويشكل مصدرا رئيسيا للبروتين، وبالتالى تختلف كمية استهلاك اللحوم بين الفرد والآخر وتتأثر بعوامل متعددة مثل دخل الأسرة، الثقافة الغذائية، والتوفر والأسعار.

وتابع: اللحوم الحمراء (مثل اللحم البقرى واللحم الضأن) تعتبر أكثر شيوعًا من اللحوم البيضاء (مثل الدواجن) فى النظام الغذائى المصرى التقليدى، واستهلاك الفرد للحوم فى مصر يقدر بحوالى 40 كيلوجراما سنويًا ومن المتوقع أن يستمر الطلب على اللحوم فى الارتفاع مع زيادة السكان وتحسن الدخول المادى. 

وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن مصر تعتمد بشكل كبير على واردات الأعلاف لتلبية احتياجاتها، خاصة فيما يتعلق بتغذية الماشية والدواجن، كما تستورد مصر العديد من المواد العلفية مثل الذرة والشعير والصويا والأعلاف الأخرى من الخارج، أما بالنسبة لاستهلاك الأعلاف فى مصر، فإنه يرتبط بحجم قطاع تربية الحيوانات والدواجن. يعتبر قطاع الثروة الحيوانية فى مصر من أهم القطاعات الزراعية ويشمل تربية الأبقار والأغنام والدواجن، وتعتمد هذه الحيوانات بشكل كبير على الأعلاف المركبة لتلبية احتياجاتها الغذائية، تبذل الحكومة المصرية جهودا كبيرة لتعزيز قدرة البلاد على إنتاج الأعلاف المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى هذا القطاع الهام، ويتضمن ذلك تشجيع زراعة المحاصيل العلفية وتطوير التقنيات الزراعية وتقديم الدعم والتسهيلات للمزارعين.