عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

نعيش عصرًا غريبًا لم تعرف له البشرية مثيلا؛ فهو عصر بلغنا فيه قمة فى التقدم التكنولوجى فى الوقت الذى انهارت فيه القيم والأخلاق الإنسانية لدرجة مخيفة؛ فما نراه من مظاهر يطلق عليها قادة التقدم اليوم مظاهر للحرية والتمتع بحقوق الإنسان لا ترقى فى واقع الحال لتكون قيمًا لعالم الحيوان، فما سمحت به الدول التى تعتبر نفسها قمة التقدم فى العالم هو فى حقيقة الأمر قمة فى التخلف والدونية والانحلال الأخلاقى! فما نشاهده من عرى وكشف للعورات وممارسات لاأخلاقية علنًا وفى وضح النهار وعلى مواقع التواصل الاجتماعى مسائل يخجل منها الحيوان الذى يسلك فى حياته سلوكا غريزيا خاليا من عقل وإرادة تتحكم فى سلوكه، فالكثير من الحيوانات لا تتناسل إلا فى الخفاء وبعيدا عن أعين المراقبين، بينما أصبح البشر يهيمون على وجوههم شبه عرايا بدون خجل وبدعوى مجاراة فوضى الموضة، ويا لها من موضة للحيوانات العراة وليس لبشر متحضرين يعرفون أن لكل مقام مقالًا وأن الحياء والخجل من الفضائل الكبرى.

وكأن ما تلقيه علينا وسائل التواصل الإباحى -وليس الاجتماعى- لا يكفى لنشر الفواحش وصور الانحلال الأخلاقى والدعوة إلى الفسق والفجور بلا ضابط ولا رقيب، فتخرج علينا دعوات من دعاة حقوق الإنسان بأن نبيح للمولود حرية اختيار جنسه: هل ذكر أم أنثى! وكأن المسألة أصبحت اختيارا! إن ادعاء البشر الحرية فى هذه الأمور  ليس مجرد تحدٍ لقدرة الخالق وإرادته، بل هو فى ذات الوقت تلاعب فى عقول الناس والأبوين وعبث لا يقدر هؤلاء الدعاة مدى خطورته وفساد نتائجه فى المستقبل القريب والبعيد! 

ولا غرو فهؤلاء يمارسون هوايتهم منذ زمن فى بث الغريب من الأفكار والقيم التى يستطيعون من خلالها هدم الحضارة الإنسانية والقضاء على السلالة البشرية، فبعد إباحة زواج المثليين والاحتفاء بوجودهم علنا وكأن هذا هو الشيء الطبيعى لم يعد هناك مانع من تغيير جنس المولود، كما لن يكون هناك مانع فى المستقبل القريب من إباحة خصى الذكور منهم حتى تطمئن الإناث لعدم التحرش بهن!

إن التطورات التى خلفها التطور التكنولوجى الغربى لم تتوقف عند تصنيع وامتلاك الترسانات النووية والأسلحة البيولوجية والكيماوية الفتاكة، والتى يكفى القليل منها للقضاء على كل مظاهر الحياة البشرية على الأرض، ولن يتوقف عند اصطناع الأزمات التى تمكن مصانعهم للأسلحة والذخيرة من تصريف منتجاتها والإثراء على حساب سفك دماء المزيد من البشر، كما لن تتوقف عند اختراع الذكاء الاصطناعى وما سيخلفه من مشكلات ربما تقضى فى الأغلب على نشاط المبدعين من البشر قبل أن تساعد الأغبياء منهم، فنحن فى واقع الحال أشبه بمن يسيرون مغمضى العينين فى طريق طويل لا نعرف إلى أين يقودنا وما هى نهايته! 

إن أخطر ما يواجه البشر اليوم من مشكلات هى نواتج ما صنعته أيديهم، سواء تلك المتعلقة بالبيئة والتغير المناخى أو المتعلقة بكم الأمراض والأوبئة التى يتعرضون لها، وكم كانت الآية القرآنية معجزة وكاشفة للمستقبل - رغم أنها بدأت بصيغة الماضى -  حين قال الله فيها: «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون» (سورة الروم -41). 

وفى اعتقادى الشخصى أن ما نراه اليوم من محاولات لتغيير معتقدات البشر الأخلاقية والثقافية المميزة للحضارة الإنسانية باعتبارها حضارة عمران وبناء إيجابى تقوده وتسوده قيم أخلاقية إنسانية راسخة، دشنتها المعتقدات الدينية والعرف والعادات البشرية عبر التاريخ السابق، سيكون المسمار الأخير فى نعش الحضارة الإنسانية نفسها إن لم تتيقظ ضمائر مفكريها ومبدعيها ويعلنوا رفض المسار اللاأخلاقى الذى تسير فيه حاليا المدنية الغربية المعاصرة، ولا أقول الحضارة الغربية؛ لأن الحضارة الغربية انتهت بالحربين العالميتين الطاحنتين، وها هى تتجه بالحتمية التاريخية إلى مثواها الأخير بما استشرى فيها من انحلال أخلاقى ورفاهية زائفة ونظام اقتصادى هش كثير الأزمات، ومع ما تبشر به من حرب عالمية جديدة على الأبواب!

[email protected]