رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كثيرًا ما تأملت معنى العيد، ودائما كنت واعيًا بالفرق بين أعياد المناسبات المدنية كعيد الثورة وعيد الجلاء وغيرها، تلك التى كنا نفرح بها فقط باعتبارها أيام إجازة رسمية لن نذهب فيها للمدرسة، وبين الأعياد الدينية التى لن تقتصر فيها الإجازة على يوم العيد فقط بل تتعطل فيها المصالح الحكومية عدة أيام! وكثيرا ما كنت أشعر منذ سن الطفولة أن العيد من هذا النوع الثانى يكون عيدا بحق بمظاهره الاستثنائية المختلفة، فالعيد فى القرية كان بالفعل يوما استثنائيا كنا ننتتظره كأطفال بفارغ الصبر حيث كان الأهل يتهيأون للاحتفال به وبنا طوال العام تقريبا فيذهبون للمدينة لشراء الملابس الجديدة وكثيرا ما كانوا يأخذون رأينا فى اللون الذى نحبه ونختار معهم الترزى الذى سنفصل عنده الجلباب أو البدلة المناسبة، وكنا نميز كل عيد بمظاهره المختلفة فالعيد الصغير يأتى بعد صيام رمضان ولذلك كنا نحتفى بقدوم رمضان لأنه قربنا من ذلك اليوم الجميل الذى نلبس فيه تلك الحلة الجديدة وننتظر فيه أن تمتلئ جيوبنا بالقروش والأموال التى سنأخذها من الأبوين والأهل وأصدقاء الأسرة، وهكذا تتكرر نفس المظاهر فى الاحتفال بالعيد الكبير مع اختلاف جوهرى؛ فهذا العيد الأخير ليس عيد البسكويت والكعك بل هو عيد ذبح الأضحية وأكل اللحم!

وكم كنت أضيق بخطيب المسجد وهو يردد على مسامعنا «ليس العيد لمن لبس الجديد بل لمن فى طاعة ربه يزيد!» وكنت أرد عليه بين أصدقائى الصغار هامسا: لا يا سيدنا، الطاعة فى كل وقت وحين لكن العيد هو فى هذا الملبس الجديد وفى هذه الفرحة التى تغمرنا به وبلوازمه من «مصروف العيد وألعابه الجميلة»! 

ولعل تلك المعانى والمظاهر للعيد هى ما جعلتنى والكثيرين من أمثالى من أبناء الريف يعشقون الاحتفال بالعيد فى القرية وليس فى المدينة؛ فقد ظللت إلى وقت قريب لا أرى العيد عيدًا إلا فى القرية، وكما كنت أعود لقريتى لأحتفل بالعيد مع أصدقائي القرويين ووالدى أيام الصبا والشباب، عودت زوجتى وأولادى على ذلك، وكم كنت أرى الفرحة فى عيونهم وهم يرون مظاهر الاحتفال بالعيد واضحة فى القرية حيث يكون التغيير شاملا كل مظاهر الحياة بينما لا شىء من ذلك فى القاهرة حيث لا جديد هناك!

ولما تغيرت الأوضاع وصار الحال غير الحال، وأصبحت القرية كالمدينة بمبانيها الحديثة ومخابزها الأنيقة ومطاعمها الفاخرة وملاهيها «الافرنجية»، وفارقنا الأحباب من الأهل والزوجة، لم يعد العيد عيدا، ولم أعد أرى الفرحة فى عين أحد كما كانت من قبل! لم يعد العيد يوما استثنائيا ننتظره ونعد له العدة بل أصبح يوما عاديا لا يميزه شىء اللهم إلا صلاة العيد لمن يحرصون عليها حتى لا يفقدوا آخر تلك المظاهر والسنن المميزة ليوم العيد! 

وها قد صدقت مقولة سيدنا الشيخ الجليل؛ فلم يعد لنا من العيد فى أيامنا هذه إلا الحرص على المزيد من الطاعة والصلوات؛ ففى التعلق بالمساجد وإقامة الصلوات والأدعية وقراءة القرآن العيد اليومى الحقيقى الذى أصبح المرء يشعر معه بالرضا والسعادة والاطمئنان!

إنه لشىء محزن حقا أن تطغى مظاهر الحياة المدنية المترفة على مظاهر الحياة الطبيعية البكر إلى هذه الدرجة التى فقد معها جيل اليوم الاستمتاع بكل ما هو طبيعى وبالخيال الذى هو فى واقع الحال دافع الإبداع وجوهره!، إنه لشىء مخيف حقا أن يسلم المرء بأن الشعور بالسعادة لم يعد ممكنا إلا من خلال امتلاك المزيد من هذه التكنولوجيات الباغية المدمرة التى سيطرت على حواس الإنسان وعقله وجعلته أسيرًا لها ولا يتصور الحياة بدونها! إن كل مظاهر الحياة الروحية والعاطفية اختفت أو تكاد؛ إذ لم يعد المرء يشعر بالسعادة إلا مع امتلاك موبايل جديد أو سيارة حديثة.. الخ، ومن يدرى لعل الأمر يتطور كما يقولون ليستبدل الإنسان الأنس بالإنسان والحيوان ليأنس بصحبة الآلة فيتحول الإنسان ذاته إلى آلة لا تشعر بأى معنى حقيقى للسعادة! ولله الأمر من قبل ومن بعد!

[email protected]