رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

ضوء فى آخر النفق

أشفق كثيرًا على الناس وأشفق أكثر على أولادهم. لا يزال تعبير الكاتب الأسطورى يوسف إدريس صحيحا: «الناس متوولة»! نعرف كلنا معنى التَوْلّة..المعنى فى عقولنا ليس محددًا كالاسطمبة، فأنا مثلا أفهمها أن الناس مخبوطين على نافوخهم، ويفهمها غيرى أنهم غير متوازنين أو متزنين، وآخرون يفهمون أنها تشير إلى التخبط وفقدان القدرة على «صلب طولهم».. واتساقهم أداء وتفكيرًا وسلوكًا «يعنى مش متوازنين».. حالة سائدة منذ سبعينيات القرن الماضى، حينما بدأ التحول الرهيب يحدث فى المجتمع، مع شيوع سياسات وأساليب الانفتاح الاقتصادى (السداح مداح)؛ والتى كلما أوغلنا وتعمقنا فى انتهاجها، كلما تفاقمت حالة التَوّلة والخبط على النافوخ. الأعباء الاقتصادية والضغوط الحياتية تجعل من الصعب المضى فى الحياة باتزان وحكمة.

 البيوت المصرية وأربابها لا هم لهم إلا تأمين سبل الحياة اللائقة لأبنائهم. وفى الحقيقة هذا النوع من الشقاء فى البحث عن لقمة العيش، يأتى - ربما من دون قصد - على حساب الأولاد. أرباب الأسر يلهثون من أجل تلبية احتياجات أولادهم، لكنهم فى ظل هذه المهمة الصعبة، يتجاهلون أن هناك ما هو أهم من لقمة العيش للأبناء: التربية. هذه القيمة هى الأهم. فى ظل هذه الظروف تحتاج البيوت المصرية إلى إعادة جدولة أولوياتها وأفكارها وأساليبها من أجل تحقيق هذه الفضيلة الغائبة. هناك مشكلات كثيرة يتعرض لها الجيل الحالى وحتى بعض من أجيال سبقته، تعود إلى سنوات التسعينيات، منذ أن ألغيت فكرة التربية من قاموس الوزارة (التربية والتعليم سابقًا). كانت المدرسة والمسجد والكنيسة والشارع -مع الاسرة- تشكل العناصر المكونة للتربية، فالمدرسة تكمل ما تبدأه الأسرة وهكذا. هذا الاستكمال ذهب مع الريح، فى ظل حالة التَوْلَة المتفاقمة، نتيجة غرق أولياء الأمور حتى آذانهم فى سعيهم للقمة العيش. حاليًا «الشارع» بكل مساوئه ومحاسنه انتقل إلى شاشة صغيرة ذكية، تلقن الأولاد كل ما هو ردىء أو جيد (أحيانا) وأصبح دور البيت ينحصر فى كونه مجرد فندق يخدم نزلاءه، أكلا وشربا وتنظيفا ونوما! التربية تركت للشارع (الموجود كله على الموبايل) وعلى التليفزيون! لم يعد هناك تركيز من جانب الأولاد إلا على هذه الشاشة الصغيرة التى يحملونها.. وكذلك الشاشة الكبيرة التى يشاهدون عليها الدراما بكل ما فيها مساوئ ومحاسن!

 اطلب من ابنك أو بنتك القيام بعمل معين، ستفاجأ بأن المطربة شادية بمقطع من أغنيتها الشهيرة التى تقول فيها: (ييجى أبويا يعوز فنجان قهوة أعمل له شاى وأديه لأمى) حاضرة بقوة! يسافر ابنك يوميا بوسائل المواصلات على طريق طويل، واضعا سماعته فى أذنه وعيناه مصوبتان إلى موبايله، فإذا سألته عن أى محطة وصل إليها يقول لك «مخدش بالى».. «ماعرفش» تطلب من عامل أن يبيعك شيئا -مع أشياء أخرى- فتشعر أن شاشة استقباله معطلة، وأن ذاكرة عقله وكأنها محيت تماما، ذلك أنه لا يتذكر كلمة مما قلت! التركيز مفقود عند الجميع خصوصًا الأولاد.. «مفيش معلومة بتثبت عندهم، مفيش تفصيلة بتركز فى دماغهم، مابيركزوش فى ما يقال لهم».. تقول لهم يمين ترى اتجاههم شمال! هذا وضع صعب جدا.. انتقال حالة التولة من الآباء والأمهات للأبناء لا يبشر بخير أبدًا. لا يجعل الحياة تتقدم؛ ولا يعطيهم قدرة على مواجهة المستقبل.