رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إياك أن تظن أن القِرداتى حرفة يمارسها كل من «هَبَّ ودَبْ»، وإياك أن تظن أن تلك الحرفة كانت بتلك البساطة التى شاهدتها فى أفلام الأبيض والأسود، من رجل يمسك دفًّا يراقص به قردًا ليقدم عرضًا ويأخذ «المعلوم» من الجمهور، وإياك.. ثم إياك.. ثم إياك الاعتقاد بأن هذه الحرفة قد اختفت من حياتنا.. ولنبدأ الحكاية من جامعة القرود فى أحد أزقة حى بولاق قبل أن يتغير اسم المكان إلى حارة القرود.

يحكى شيخ القرداتية أحمد أبو النصر فى مصر سنة 1929، أنه ورث هذه المهنة عن أجداده وبايعه قرداتية مصر بالزعامة كما بايعوا آباءه من قبله، وكما بايعوا ابنه الأكبر ليتولى زعامتهم من بعده، لقد عايش القرود منذ سبعين سنة، يعلمهم ويفهمهم، شىء بالمحايلة وشىء بالضرب، وبعد أن فهم هواهم «أى القرود» لم يعد هناك قرد يعصى عليه، وكل قرود القطر المصرى التى يراها الناس فى الموالد والأسواق والشوارع وعلى أبواب «لوكندات» السائحين من تربية يده ومتخرجين من عنده.

كان أول ما يفعله الشيخ أحمد أبو النصر عندما تصل القرود إلى مصر مع البواخر القادمة من الشرق الأقصى والهند وجنوب أفريقيا، يرسل أتباعه لمعاينتها وشراء القرود صغيرة السن، ثم يقوم بشحنها إلى مصر، حيث تلتحق بتلك الجامعة القديمة التى تخرج فيها مشاهير القرود على يديه، ليبدأ معهم مراحل التعليم والدراسة!!

يبدأ الشيخ أبو النصر بمعاملة القرود باللطف، يلاعب القرد ويحنو عليه حتى يألفه ويتعلق به، ثم يبدأ بتعليمه النمرة الأولى، وهى رفع يده بالسلام إلى رأسه، ومتى أتقن القرد هذه الحركة انتقل إلى النمرة الثانية، وهى «اللى انخلع وسطه»، فيسير القرد زاحفًا على ساقيه كلما أشار الشيخ بعصاه إلى ساقه، وعندما ينجح القرد فى تعلم هذه النمرة، انتقل إلى الفصل الثالث من الدراسة ليتعلم النمرة الثالثة، وهى «مشى المكسح»، فيلوى الشيخ ساقيه الخلفيتين ويكتفهما حول عنقه من الخلف، ويجذبه من السلسلة فيسير القرد على قائمتيه الأماميتين.

وهكذا يتعلم القرد فنون التقليد بما فيها «عجين الفلاحة» و«نوم العازب وسكران ومفلس».. إلخ، ومتى أكمل القرد هذه الدراسة انتقل إلى القسم العالى حيث يتعلم الرقص، فيرفعه الشيخ عن الأرض وينزله بسرعة مرات عدة حتى يفهم درسه، ويؤدى هذه القفزات السريعة الخفيفة وحده وبذلك يكون أكمل القرد مدة الدراسة، ويصبح بعدها من خريجى تلك الجامعة عندما يشهد له الشيخ بالنجاح، ليندمج بعد هذه الشهادة فى سلك القردة المحترفة!!

وتأتى القرداتية كل يوم إلى منزل شيخهم أحمد أبو النصر، ليستأجر كل منهم قردًا يسرح به، والقرداتية جميعهم يحبون شيخهم ويهابونه ويطيعونه ويتقاضون لديه فى كل شئونهم، ولا تقل القردة عنهم فى إخلاصهم للشيخ أبو النصر، وكثيرًا ما يفلت أحد القرود من سلسلته  فيفر من الزقاق، ولكنه يعود فى آخر النهار بنفسه، ويدنو من الشيخ يقهقه بصوت خافت كأنه يعتذر عن فراره.

ما رواه الشيخ أحمد أبو النصر فى 1929 استكمله الحاج أبو مسلم أحمد أبو النصر عميد كلية القرود فى 1947، ليتحول اسم المكان إلى حارة القرود نسبة إلى هذه الكلية، ليؤكد الشيخ أبو مسلم أن الكثير من خريجى كليته يعملون الآن فى ملاعب وملاهى أوروبا.

هكذا كان القرداتى حرفة لها شيخ وجامعة، يتعلم فيها القرد أداء الرقص والحركات، ليسرح بعدها مع صاحبه فى شوارع المحروسة، وتمضى الأيام وتستبدل تلك الحرفة شكلها القديم بثوب جديد يناسب عصر الذكاء الاصطناعى، ويتأقلم مع تعقيدات الحياة، عليك فقط أن تنظر يمينًا أو يسارًا فى أى وقت وإلى أى مكان، لترى نمرة جديدة بأداء مختلف، وأحيانًا تشاهد خناقة بين القرد والقرداتى على طريقة شكوكو واسماعيل ياسين فى مونولوج «الليل الليل.. الليل يا ميمون» ويتهم كل منهما الآخر بأنه القرد، ليضحك الجمهور ويشارك فى تلك الخناقة ويدفع بعدها الثمن!!

فى النهاية يقول المثل الشعبى «اللى مربى قرد عارف لعبه».

[email protected]