رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسافة السكة

علمتنى الحياة بأحداثها وناسها أن العبرة بأفعال الناس ومواقفهم وليس كلامهم، فالجميع يتكلمون وليس هناك أسهل من الكلام، فقد يمدحك أحدهم ظاهراً وباطنه يحمل لك الحقد والكراهية!.. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى إظهار حقيقة من حولك وما يكنه لك البعض لتعلم المنافقين منهم ومن يكن لك الخير ولتعلم أيضاً ألا تصدق الأقوال بل الأفعال والمواقف، وحتى لا تفرح بمدح أو ذم أحدهم، فالاهم كيف يراك الله سبحانه وتعالى وليس الناس، فالناس قلوبهم متقلبة عدوك اليوم صديقك أمس والعكس أيضاً، فالناس يقيمونك وفقاً لاهوائهم ومصالحهم، فلا تصدق ما يقوله البعض عن الآخر فقد يتحدث أحدهم بدافع الحقد والغيرة، فصدق ما تراه من مواقف فقط.

فالأهم من أنت عند الله والله هو من يتولى أمرك ويدافع عنك ويحميك وينور بصيرتك فيكشف لك حقائق من خلال مواقف قد تبدو أنها من قبيل الصدفة ولكن فى الحقيقة هي قدر مقدر من الله.

فلا تعبأ بكلام الناس أى لا يُغرك مديح الناس ولا ذمّهم، فاحرص على أن يكون تقييمك من الله وليس الناس! 

قال أحدهم لعالم: «إننى أُشفق عليك مما يقوله الناس عنك ظلماً وافتراء!.. فقال: هل سمعت منيّ عليهم شيئًا؟.. قال: لا.. قال: عليهم فأشفق، أنا أطعت الله فيهم فلم أتكلم عليهم ولا كلمة وهم عصوا الله فىّ فنهشوا لحمى واغتابونى».

سأل أحدهم عالماً: هل أغتبتنى؟.. قال: ومن أنت حتى أغتابك؟!.. لو كنت مغتاباً أحداً لأغتبت أبى وأمى لأنهم أولى بحسناتى منك فيجب أن توقن أنك إن اغتبت أخذ من اغتبت حسناتك يوم القيامة!

ومن وصية الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه لابنـه الحسن: «إن كنت عالماً عابوك وإن كنت جاهلاً لم يرشدوك وإن طلبت العلم قالوا: متكلف متعمق وإن تركت طلب العلم قالوا: عاجز غبى، وإن تحققت لعبادة ربك قالوا متصنع مراء، وإن لزمت الصمت قالوا: ألكن، وإن نطقت قالوا: مهذار، وإن أنفقت قالوا: مسرف، وإن اقتصدت قالوا: بخيل، وإن احتجت إلى ما فى أيديهم صارموك وذموك، وإن لم تعتد بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك».

فخلال رحلة الحياة شاهدت البعض يتحدث عن الآخر بالسوء خلف ظهرهم ومن أمامهم يمدحونهم علمت حينها أنهم منافقون وقد تحدث الله عنهم فى محكم كتابه ووصفهم بأنهم يخفون فى صدورهم ما يبدون لك، فعندما يكشفهم الله لك ابتعد بصمت ولا تقربهم من دائرة محيطك مرة أخرى. 

الجميع يتكلم بالسوء! والبعض يشعر بالضيق من هذا الكلام سواء أكان الكلام مباشرًا أو على مواقع التواصل الاجتماعى، سواء أكان الكلام أمام عينيك أو من وراء ظهرك، البعض ينتابه شعور بالضيق والحزن من هذا الكلام، ولكن دعنى أقل لمن يشعر بالضيق من كلام الناس: من أنت حتى لا يتكلم الناس عنك؟.. فقد تكلموا على الله سبحانه وتعالى وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء!.. قالوا عن الله جل جلاله إن الله ثالث ثلاثة، حتى الأنبياء والرسل وزوجاتهم لم يَسلموا من كلام الناس!.. فقد اتهموا زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنا، كما تحدث الناس عن سيدنا أيوب وزوجته وشمتوا فى ابتلائهم، وأكثر من تأذى من كلام الناس موسى عليه السلام، فقال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً»، فمن يتمعن فى هذه الآية يعلم جيداً أن الذى برأ موسى عليه السلام، الله سبحانه وتعالى، وليس الناس!، وأكمل الله سبحانه وتعالى كلامه فقال "وكان عند الله وجيهاً" ولم يقل وكان وجيهاً، فالأهم من تكون أنت عند الله وليس عند الناس، فالناس متقلبون؛ من معك اليوم ليس معك غداً، ومن يحبك اليوم يكرهك غداً، صديقك اليوم عدوك غداً والعكس، بعض الناس لا يمتلكون إلا الكلام فلا يعجبهم شيء فعندما يرون امرأة جميلة يتهمونها بالفتنة!.. وعندما يرون امرأة قبيحة يشفقون عليها!.. وعندما يرون إنسانًا غنيًا يتهمونه بالنصب!.. وعندما يرون إنسانًا فقيرًا يتهمونه بالتكاسل عن العمل!.. عندما يرون إنسانًا يتكلم كلامًا حكيمًا يتهمونه بالفلسفة، وعندما يرون إنسانًا يتكلم كلامًا غير هام يتهمونه بالتفاهة!.. هكذا هو كلام الناس، على أى حال لن تسلم من كلام الناس! كما قال الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقولُون»، فالله يعلم كيف كلام الناس يضيق صدر الإنسان منه، كما تحدث الله سبحانه وتعالى عن مخاطبة الجهلاء وكيفية التعامل معاهم، فقال تعالى: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، فالله سبحانه وتعالى فى مُحكم كتابه لم يترك مسألة إلا وتناولها ووضع الحل لها، كما أعطانا الله طريقة التعامل مع الناس، أى نأخذ بالعفو ونأمر بالعرف ونعرض عن الجاهلين، كما أمرنا الله بالعفو وشرطه بأن يكون عند المقدرة ولم يجعله قاعدة بلا استثناء، فالله سبحانه وتعالى رحيم وديننا يُسر وليس عُسرًا كما يدّعى البعض ذلك، بل وضع الله قواعد وقوانين للتعامل مع الناس حتى نستطيع أن نحقق السلام الداخلى والراحة النفسية.