رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

ما زالت سكاكين «القصابين» تذْبَح، وما زالت الأسعار تسْلُخ، وما زال الملف بعد أربعين سنة على مكتب رئيس الوزراء!!، وما زال العشم فى الله كبيراً، هذا هو الواقع وتوصيف الحالة والحال.. وإليكم التفسير.

بتلقائية ولاد البلد تحدث محمد وهبة، رئيس شعبة القصابين «الجزارين»، مع عمرو أديب ببرنامجه «الحكاية»، قال «وهبة» إنه لا بد من وجود آلية لضبط الأسعار، «ولو الوضع استمر على كده هنروح فى توكر»!!، جاء هذا الحديث على خلفية الارتفاع التاريخى لأسعار اللحوم على حد وصف «أديب»، وقد يصل سعر الكيلو إلى 350 جنيهًا فى عيد الأضحى المبارك، كما يتوقع رئيس الشعبة ذاته.. أين المشكلة إذن؟!

المشكلة أن هذه المداخلة كاشفة للحالة والحال، وأقل ما توصف به أنها تاريخية، فقد قال «وهبة» بعفوية إن سعر اللحمة «هيزيد لكن كام دى حاجة بتاعة ربنا.. يمكن ربنا يبعت لنا خيرًا والأسعار متزيدش.. لازم نتعشم فى ربنا..»، هذا الحديث التلقائى يؤكد حالة دوران الواقع حول نفسه، مع تغير الزمان وشكل المكان ووجوه البشر، ويؤكد أيضاً– رغم وضوح الأزمة- أن أسباب الأرض عندنا تنفد، ونبقى دائمًا فى انتظار حلول السماء، أتريد إثباتًا؟.. إليك الدليل.

فى 9 مارس 1985، وعلى خلفية ارتفاع جنونى فى أسعار اللحوم، نشرت «أخبار اليوم» تحقيقًا جاء فى مقدمته أنه أمام «كمال حسن على»، رئيس مجلس الوزراء، ملف كامل عن مشكلة اللحوم الحمراء فى مصر، وأن هذا الملف يضم أحدث تقريرين عن المشكلة، الأول من وزارة التموين عن موقف اللحوم فى الأسواق حتى نهاية الخطة الخمسية، والآخر قدمته شعبة «القصابين» عن تصورها لوضع اللحوم ومشاكل العلف والاستيراد!!.. وقالت «أخبار اليوم» إنها علمت أن رئيس الوزراء يعكف على دراسة الموقف، ومن المنتظر صدور قرارات حاسمة تراعى مصالح كل الأطراف..!!، هل تشعر بجديد بعد مرور أربعين سنة، وهل رأيت حلاً للأزمة التى عانى منها الآباء والأجداد؟!.. أرى أن تصبر قليلًا قبل الإجابة.

لم يختلف مضمون ما طرحه رئيس شعبة القصابين الحالى عما تحدث به محمد على الخولى، رئيس شعبة القصابين 1985، وما نشرته «أخبار اليوم» حول الأزمة، بداية من ارتفاع أسعار الأعلاف ومرورًا بمشكلة استيراد اللحوم بسبب حصول المستورد على سعر الدولار بما يوازى 150 قرشًا بخسارة 25 قرشًا فى الدولار!!، وصولًا إلى حالة ركود أسواق القصابين «الجزارين» بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين.. ليسأل أحد الجزارين، الذى رفض ذكر اسمه فى هذا التحقيق، قائلًا: ماذا يمكن أن نفعل ومن يمكنه أن يفتح بيوتنا، وكانت إجابته: «.. ولا أخفى عليك سراً هاماً، فنحن بشكل أو بآخر نحصل على لحوم وزارة الزراعة المدعمة التى تباع بثمن 240 قرشاً للمستهلك، ونبيعها نحن بالتسعيرة الودية بثمن 450 قرشاً!!

الخلاصة التى يمكن أن نخرج بها من حديث «وهبة» مع «أديب» وما نشرته «أخبار اليوم»، هى العشم فى الله، وليس فى خطط خمسية أو خمسينية، لتكون النتيجة حتماً أننا «هنروح فى طُوكر» كما قال «وهبة»، وطُوكر هذه عزيزى القارئ، بلدة فى جنوب السودان كانت منفى للخطرين فى مصر، ولا يعودون منها أبدًا!!..

وبمناسبة مدينة طُوكَر، يحكى أن الخديو عباس قرر غلق مدرسة الألسن، وثار «رفاعة الطهطاوى» وهرول إلى القلعة، وقال لعباس: هذا قرار يعيد البلاد إلى عصر التخلف والظلام، فغضب منه عباس، وأمر بنفيه إلى السودان وهو يقول ساخراً: شيخ رفاعة تريد تعليماً اذهب طُوكَر بالسودان، عينتك ناظر مدرسة ابتدائية هناك.. علّم الناس خرافات وهلوسات عن حرية وثقافات وحضارات، ولن تعود من هناك ما دمت أنا أحكم، ومع تولى سعيد عرش مصر عاد رفاعة الطهطاوى إلى مصر ليكمل مسيرة التعليم والتنوير.

وحتى يكون المشهد كاملاً، أذكر لك ما جاء فى كتاب جمال الغيطانى «منتهى الطلب فى تراث العرب»، ما ينسب إلى أهل الصناعات قولهم «كلب القصاب»، ويضرب به مثلًا للفقير الذى يجاور الغنى، فيرى من نعيم جاره بؤس نفسه، ما ينغص عيشته، والعامة تقول «كلاب القصابين» أسرع عمى من غيرها بعشرين سنة، لأنها لا تزال ترى من اللحوم ما لا تصل إليه، فكأن رؤية ما تشتهيه وتُمنع منه يورثها العمى.

- فى النهاية.. ما زالت سكاكين القصابين تَذْبَح، وما زالت الأسعار تسْلُخ، وما زال الملف على مكتب رئيس الوزراء، وما زال العشم فى الله كبيراً أن نعود من طُوكَر!!.

[email protected]