عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا يزال السودان الشقيق يعانى تحت وطأة الأزمة الحادة ما بين قوات الجيش السودانى وقوات «الدعم السريع» بقيادة «حميدتى» نائب رئيس مجلس السيادة، وذلك بسبب الخلاف حول بنود الإصلاحات الأمنية والعسكرية والخلاف حول دمج قوات الدعم السريع فى القوات المسلحة السودانية، وما ترتب على ذلك من تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائى لتسوية الأزمة السياسية فى البلاد للمرة الثانية والذى كان مقرراً له مطلع شهر أبريل. لتضع الأزمة الحالية السودان أمام سيناريو الحرب الأهلية وفشل المرحلة الانتقالية المأزومة ما بعد رحيل نظام عمر البشير.

تقدم لنا السودان صورة مصغرة للقارة الأفريقية وما تعكسه من تنوع وتعدد أثنى، دينى، وثقافى، فالسودان يوجد بها نحو 597 جماعة وهوية اثنية، ومن ثم فهى تجسيد حى لما يمكن أن تكون عليه إشكالية الاندماج الوطنى وبناء الدولة الوطنية الجامعة فى أفريقيا، وهى الإشكالية التى تجسدت فى عجز الأنظمة السياسية المتعاقبة فى السودان وفشلها فى خلق إطار وأساس جامع للدولة الوطنية، نتيجة عدم قدرة تلك الأنظمة على التعاطى مع الواقع التعددى القائم، وما نتج عن ذلك من عدم عدالة فى توزيع وتقاسم الموارد والثروة، ومن ثم عدم عدالة نماذج التنمية بين الأقاليم المختلفة، فتحول ذلك إلى بؤر مستمرة للصراعات، أدت تلك الصراعات إلى إضعاف السلطة التنفيذية وتراجع فاعليتها فى إدارة التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومجابهتها. حيث كانت ولاتزال الولاءات والانتماءات القبلية وحتى الشخصية للزعامات تعلو ما دونها من الانتماء الوطنى للسودان ككل.

هذه التعددية انعكست أيضاً على واقع الجيش السودانى والأجهزة الأمنية خاصة فى عهد البشير الذى عمل على خلق العديد من الكيانات والحركات المسلحة خارج إطار المؤسسة العسكرية والأمنية، من دون رسم خط واضح لتبعية تلك الكيانات للمؤسسة وخط تسلسل السلطة العسكرية والمالية سواء بالجيش السودانى أو داخل تلك الكيانات، وهو ما تمخض عنه حالة «ميليشيات الدعم السريع» التى تأسست فى عام 2008 تحت زعم حماية المناطق الغربية فى السودان.

السودان كذلك هى نموذج حالة لتعدد المراحل الانتقالية وفشل تجارب التحول الديمقراطى، فالمرحلة الانتقالية التى بدأت عام 2019 ما بعد سقوط نظام عمر البشير ليست الأولى، لكن على الرغم من تعدد خبرات المراحل الانتقالية فى السودان على مر تاريخه، لا يزال يتكرر ذات الأخطاء التى تؤدى على فشل التحول الديمقراطى دون استيعاب لتلك الأخطاء والعمل على عدم تكرارها. لكن ما يميز المرحلة الانتقالية القائمة فى السودان عن التجارب السابقة فى السودان هو تبنى نموذج «تقاسم السلطة الشامل» الذى اشتمل على مظلة واسعة تضم الجيش السودانى، وميليشيات الدعم السريع، والمكون المدنى ممثلاً فى قوى إعلان الحرية والتغيير. ثم تقاسم السلطة على المستوى الاثنى الإقليمى وفقاً لاتفاق جوبا الموقع فى عام 2020، والذى ضم عدداً كبيراً من الجماعات والحركات المسلحة خاصة فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

أحد المحددات الفاعلة أيضاً فى الأزمة السودانية الحالية يتمثل فى الدوافع الشخصية والطموح السياسى المتزايد لطرفى الأزمة خاصة على مستوى قائد قوات الدعم السريع، والذى بلغ حد نائب مجلس السيادة الانتقالى، لكن على ما يبدو أنه يرغب فى المزيد. إذن الأزمة السودانية الحالية على هذا النحو تثير دلالات عدة، لكن أبرز تلك الدلالات وأهمها، مدى أهمية وجود جيش وطنى موحد يحتكر القوة الشرعية للحفاظ على مقدرات الدولة وأمنها، وعدم وجود كيانات موازية تنافس القوة الوطنية على القوة والنفوذ بما يهدد استقرار الأوطان.

لذلك، وفى ضوء تلك المعطيات تصبح الأزمة الحالية مرشحة للتطور والتصاعد إلى حد الحرب الأهلية خاصة أن السودان له سوابق تاريخية فى هذا الإطار، حيث شهدت السودان واحدة من أوائل وأقدم الحروب الأهلية على مستوى القارة الأفريقية فى الفترة ما بين 1955 وحتى 1972، ثم 1983. وهو ما يعنى استمرار فشل مشروع الدولة الوطنية فى السودان.