رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

أوشك شهر رمضان على الانتهاء، وأوشكت تقاليده الاجتماعية والشعبية والفنية الباعثة على البهجة والفرح والتلاقى والتأمل، أن تتوارى، وبينها إتمام الدراما الرمضانية حلقاتها. ولا أحد يتوقع، أن يتابع المشاهدون كل هذه الكثرة من المسلسلات التى فاقت خمسة عشر مسلسلا، إلا إذا كنا شعبا من العاطلين عن العمل. ولا يبدو هناك منطق لهذه الكثرة، إلا لكونها تشكل ساحة تجارية لا فنية، تفسح مساحات هائلة للإعلانات التجارية المستفزة، التى تحطم معنويات الأغلبية من فقراء هذا الوطن وتشعرهم بوطأة العجز، وتقدم لهم صورا لبلد لا يعرفونه، وتطرح عليهم سؤالا لا يجيب عنه أحد: لماذا يقبعون فى هذا الخندق الضيق التعيس وغيرهم يرفل فى ثراء فاحش؟ ناهيك عن إعلانات التسول التى تطيح بكل القيم المهنية والإخلاقية، وهى تستخدم أطفالا صغارا فى حملات تسولها، التى لا تهمد ولا تتوقف عن استدرار تعاطف الجيوب الخاوية، لأن المليئة تعرف طرقها دون إعلان لطرق التبرع. 

تلك سياسة أفسدت علينا متعة التذوق الفنى للأعمال الدرامية، وحرمت المشاهدين، بسبب التشتت الذى تحدثه، من تأمل الرسائل التى تنطوى عليها، لكى تدفع من يقدرون على الاشتراك فى المنصات التليفزيونية التى تخلو برامجها وأعمالها الدرامية من إزعاج الإعلانات. لكن المهم أن على من بيده الأمر أن يعى، أن المراهنة على صبر المشاهد على هذا العبث الإعلانى الذى يجرح المشاعر ويثبط الهمم، ليست رابحة. 

ووسط هوجة الإعلانات، وبرغمها، تابعت بشغف مسلسل «رسالة الإمام». جذبنى إليه أسماء صانعيه، والأداء الحافل بالبساطة والصدق لفريق الممثلين الشباب والقدامى، الذى اختاره بذكاء المخرج الفنان «ليث حجو»، ونجح ببراعة فى أن يمنح ممثليه أحجاما متساوية فى المشاهد المتتالية، لتكشف عن جوانب غير مألوفة من أدائهم المؤثر والجذاب، وتخرج منهم أفضل ما لديهم، وتنجح فى تحقيق درجة عالية من التناسق والتناغم فى الأداء، ساهم فى ضبط إيقاع المسلسل بحساسية إخراجية لافتة للنظر، تجلت كذلك فى تكامل العناصر الفنية الأخرى، التى تم اختيارها بدقة متناهية من تصوير وموسيقى وأزياء وإكسسوارات أضفت عليه عناصر قوته وتأثيره. 

يحكى المسلسل عن السنوات الست الأخيرة التى أمضاهها الإمام الشافعى فى مصر، وكيف تمكن بتأثره ببيئتها، وتأثيره فى أهلها من إرساء قواعد مذهبه الفقهى المتسامح الذى يفهم الدين بأعماق الظواهر، لا سطحها، كما تعلمها من الإمام مالك، فغدا مثله، يشعر بالواجب الاجتماعى نحو المحيط الذى يعيش بينه، وبالمسئولية أمام ضميره عما يجرى فى الحياة العامة، بما يلزمه برفض الصمت على المظالم، سواء كان صانعها هو الحاكم، أو كانت متفشية بين الناس، بتفسير منحرف لشرع الله، مستندا فى ذلك إلى علمه الغزير فى أصول الفقه، وعلوم التفسير والحديث، فضلا عن الجهد الشاق الذى أولاه للتدوين لكى تقرأ اجتهاداته مع تراث «الليث بن سعد» وتستفيد من علمها أجيال تالية، فتقتدى بها. 

وكان للأداء المذهل والآسر للفنان «خالد النبوى» الذى اكتسى بهالة محببة من الوقار والنبل، دور رئيسى، فى الإنجذاب لمشاهدة المسلسل، فضلا عن براعته فى شرح الرسالة التى يرنو إلى إيصالها، بسلاسة، وبلغة عربية فائقة البساطة والجمال نافسته فى نطقها الفنانة «فرح بسيسو» التى قامت بدور السيدة نفيسة بأداء لا صخب فيه أو زعيق مفتعل. دمج المخرج «حجو» والمؤلف «محمد هشام عبية» وفريق مساعديه بين اللغة الفصحى والعامية، والأخيرة، فبدا الحوار طبيعيا ومستساغا ولائقا بشخصيات المسلسل ومعبرا عنها، فضلا عن نجاحه فى شحن الأجواء بالعصر الذى تجرى فيه أحداثه. وأكملت موسيقى «تامر كروان» وتصوير «تيمور تيمور» الصورة البصرية البديعة، التى بدت كما لو كانت لوحات تشكيلية شديدة الثراء، والقدرة على الإيحاء بروح العصر، لتضيف مصدرا آخر من مصادر تفرد هذا المسلسل وقوته، الذى يبعث للحياة فقه الإمام الشافعى المحب للحياة ومصالح الناس، فحق عليه وصف ابن حنبل: كان الإمام الشافعى كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس.