رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من المفاجآت السارة القليلة التى سعدت بها فى حياتى العلمية ذلك اليوم الذى أخبرنى فيه د. محيى مطاوع أنه انتهى بالفعل من ترجمة كتاب الميتافيزيقا لأرسطو، إذ لم أكن أصدِّق أنه سيفى بوعده لى يوماً بأنه سيخوض غمار هذه المحاولة التى أعجزت الكثيرين من قبله؛ فقد عشت زمناً طويلاً من حياتى الفكرية منذ حصولى على درجة الماجستير عام 1980م فى رسالة كان موضوعها عن أفلاطون ونظريته حول الألوهية، عشت باحثاً فى أرسطو الذى قررت أن يكون موضوعاً لرسالتى للدكتوراه، وقد اخترت جانباً لم يلقَ الكثير من الاهتمام من دارسى أرسطو عبر التاريخ وهو نظرية العلم ومدى ارتباطها بنظريته عن المعرفة لديه. وكم كنت تواقًا منذ هذا التاريخ البعيد لأرى ترجمة عربية لكتابه الوحيد والأشهر فى الفلسفة، كتاب «الميتافيزيقا»، فقد حظيت مؤلفاته الأخرى بأكثر من ترجمة عربية منذ عصر الترجمة أيام الدولة العباسية وحتى يومنا هذا، بينما بقى هذا الكتاب الذى كان له التأثير الأكبر فى التراث العربى الإسلامى بغير ترجمة متكاملة رغم كثرة الاقتباسات التى نقلت منه فى مؤلفات الفلاسفة المسلمين من الكندى حتى ابن رشد مروراً بالفارابى وابن سينا. وربما كان أقرب الفلاسفة المسلمين إلى هذا النص وشرحه شرحاً مستفيضاً وافياً هو أبوالوليد بن رشد الذى لقب فى التراث الفلسفى العالمى بالشارح الأكبر نظراً لأنه نجح فى شرح فلسفة أرسطو وتخليصها ما علَّق بها من شوائب الأفلاطونية المحدثة التى تأثرت بكتاب «أثولوجيا أرسطوطاليس» الذى ترجمه عبدالمسيح بن ناعمة الحمصى منسوباً لأرسطو ولم يكن له، بل كان بعض تاسوعات أفلوطين التى نسبت خطأ لأرسطو!!.

 إن كتاب «الميتافيزيقا« ليس كأى كتاب.. إنه الكتاب الذى دارت حوله الفلسفة تحليلاً وشرحاً وتأويلاً منذ نشره أندرونيقوس الرودسى حتى اليوم.. إنه الكتاب الذى صبغ الفلسفات الدينية مسيحية وإسلامية بصبغته، ومن خلاله وعلى أساسه تمت الفلسفات التوفيقية بين الدين والفلسفة، وهو الكتاب الذى أعطى للفلسفة تعريفها الاصطلاحى الذى لا يزال هو هو حتى اليوم، وهو التعريف الذى لا نزال نميز من خلاله بين العلم والعلوم من جهة والفلسفة من جهة أخرى، وهو التعريف الحجة الذى نحدد من خلاله مفهوم الفلسفة ومباحثها سواء قبل أرسطو أو بعده وحتى اليوم.

وكم تحلى د. محيى الدين مطاوع بالشجاعة والتحدى ليقبل على هذه المخاطرة الصعبة بنقل هذا الكتاب كاملاً من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية مباشرة وبلا وسائط لغوية أخرى. وقد أثبت د. محيى أنه رجل المهام الصعبة حيث تجرأ من قبل هو وأربعة من رفاقه على إعداد وترجمة «هياموس» ذلك المعجم ثلاثى اللغة (اليونانية القديمة- الإنجليزية- العربية) فى أكثر من ألف صفحة. وبالطبع إن من استطاع إعداد مثل هذا القاموس الشامل فى اللغة اليونانية القديمة يكون الأجدر على القيام بهذا العمل الشاق: ترجمة ميتافيزيقا أرسطو. وقد نجح د. محيى فى تقديم تعريباً رائعاً للكتاب بأسلوب عربى رصين وبلغة فلسفية راقية. وبالطبع لم يكن ممكناً له أن يفعل ذلك إلا بعد اطلاعه- وهو المتخصص فى اللغة اليونانية وآدابها – على عشرات المؤلفات عن فلسفة أرسطو خاصة وتاريخ الفلسفة اليونانية عموماً فضلاً عن الكثير من نصوص فلاسفة اليونان السابقين على أرسطو ليمتلك تلك القدرة على نقل رؤاهم وتأريخ أرسطو لهم محافظاً على مصطلحاتهم وعارضاً لمذاهبهم. وقد امتازت هذه الترجمة أيضاً بالتزامها بالترقيم الدولى المصطلح عليه بالنسبة لنصوص فلاسفة اليونان فى أى لغة كانت نقلاً عن النصوص الأصلية بلغتها الأم ما يسهل على من أراد أن يراجع أى فقرة من الترجمة على النص الأصلى أو مقارنتها بأى ترجمة فى أى لغة أخرى. لقد غاص د. محيى فى بحر أرسطو العميق ليخرج لنا لآلئ هذا الفيلسوف صاحب التأثير الأكبر فى تاريخ الفلسفة منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى الآن، وإن كان قد بدأ من أصعب وأهم مؤلفاته فهو لا يزال يواصل الغوص حيث انتهى بالفعل من ترجمة وتعريب كتابيه العظيمين كتاب الأخلاق وكتاب السياسة ويعيش الآن مع مؤلفات أرسطو المنطقية ولعله ينتهى منها قريباً. وعلى دارسى أرسطو من الآن فصاعداً أن يعيدوا النظر فى كل ما كتبوا فى ضوء هذه الترجمات الرائقة -  الباهرة فى دقتها وسمو لغتها لتبدأ حقبة جديدة من الدراسات الأرسطية المستندة على نصوصه الأصلية حقاً!