رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

بينى وبين الشعارات الرنانة خصومة قديمة منذ الصغر. كلما تضخمت الكلمات، ارتفع منسوب التشكك داخلى، وكلما تلونت العبارات وتجملت مقاطعها، يطل شيطان التفكر والتدبر ملياً ليتابع عن كثب.

أدرك وأعترف أن التفخيم عادة شرقية، ومنافسات الكلام نهج عربى أصيل، لكن العالم يتغير، ويتبدل، والشعوب تترقى وتتطور، وكم من أمم آنية خالفت مسارات ودروب قديمة ومعتادة لتحلق فى سماوات التقدم.

القراءة المتأنية للشعارات الرسمية فى التاريخ الحديث، تزيدنا تنويراً، فمع كل نظام جديد، ثمة شعارات رنانة. فلما وصل ضباط يوليو إلى حكم مصر 1952، وخلصت لهم البلاد، ولد شعار «ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد»، لكن استمرار سياسات القمع واتساعها أفقد هذا الشعار مضمونه ليسخر منه خصوم يوليو فيما بعد بقولهم «ارفع رأسك يا أخى إن كنت مستغنيا عنه»، أو «ارفع رأسك يا أخى ليسهل علينا قطفه».

ولم يكن غريباً أن يصك المنتفعون بثورة يوليو شعاراً لتبرير سياسات القمع المطبقة ضد كل صاحب رأى مخالف هو «لا حرية لأعداء الحرية»، حتى ذاق صانعو الشعار أنفسهم مرارة غياب الحرية عندما اختلفوا فيما بعد بعضهم البعض.

وبعد هزيمة يونيو المنكرة رفع المناصرون للقائد شعاره العنترى: «ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد إلا بالقوة»، ثم أثبت الرئيس السادات بعد أقل من عشر سنين أن ما أخذ بالقوة يمكن أن يتسرد بالمفاوضات والسياسة والمبادرات والحشد الدولى.

وكانت من المآسى الموجعة أن شعار «دولة العلم والإيمان» الذى صكه الرئيس أنور السادات وصفاً لنظامه تحول على أيدى الجماعات المتأسلمة إلى فرصة سخرية وازدراء وصل إلى تكفير صاحب الشعار نفسه الذى تقبل برضا وصف مصفقيه له بالرئيس المؤمن، ثم استحل المتأسلمون دمه واغتالوه غدراً وسط رجاله فى يوم انتصاره.

ربما كان ذلك دافعاً أن ينأى نظام الرئيس مبارك بقدر المستطاع عن الشعارات الرنانة، لكن لأن شلل الهتيفة فى كل زمان لا يمكن أن تصمت إلى الأبد، فقد حاول البعض إطلاق شعارات تتفق مع الاستقرار والتنمية، وأتذكر بشكل شخصى شعاراً اقتصادياً تولد مع الألفية الثالثة كان يقول: «التصدير حياة أو موت»، ومرت عشرون عاماً على ميلاد الشعار، ولم ينم التصدير أو يتحول لمسار تنمية وظل الشعار صالحا للتكرار.

ومن الشعارات خفيفة الدم التى أولدتها الأزمات المعيشية فى السبعينيات شعار «شدوا الحزام» والذى جاء كدعوة للتوفير وضبط الاستهلاك من جانب المواطنين، لكن لأن هناك كثيرين لا يحصلون على الحد الأدنى لمتطلباتهم، فقد ردوا بأنهم ليس لديهم ثمن الحزام حتى يقومون بشده!

لقد حكى لى والدى رحمه الله، وكان أستاذاً جامعياً أن أبرز ما لفت نظره عندما سافر بغداد بداية الثمانينات ليُدّرس هناك، أنه رأى شعارا ملطوعا على الجدران فى المطار، وفى كافة الميادين يقول «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» وهو شعار حزب البعث الوحدوى. وعاش أبى ليرى فى سنة 1990 كيف احتلت عراق صدام حسين الكويت فى بضع ساعات، لكنه لم يعش ليرى فيما بعد كيف تمزقت العراق ذاتها إلى ممالك ودويلات عديدة.

يقول نزار قبانى فى تفسيره لهزيمة حزيران: « إذا خسرنا الحرب لا غرابة/ لأننا ندخلها بكل ما يمتلكه الشرقى من مواهب الخطابة/ العنتريات التى ما قتلت ذبابة/ لأننا ندخلها بمنطق الطبل والربابة».

ويقول محمد الماغوط: «ما أذرب ألسنتنا فى إطلاق الشعارات/ وما أرشق أيدينا فى التصفيق لها/ وما أعظم جلدنا فى انتظار ثمارها».

والله أعلم

[email protected]