رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مع بداية كل عام، يتجدد الجدل، ويتصاعد الصخب، حول جواز التهنئة بميلاد السيد المسيح، الذباب الإلكترونى للمحظورة وأذنابها السلفية؛ ينتظرون هذا الموسم من العام للعام، لنشر الظلامية. وبث السموم فى معسول الكلام المغلف بالدين، وخلط الدين بالسياسة بالأوضاع الاقتصادية كل ذلك فى مسعى حثيث وبائس لتعبئة النفوس وشحن العقول بالأفكار المتطرفة.

الأزهر؛ شيخه ومرصده، تصدوا لهذه الغارات الظلامية السنوية، حيث قال الشيخ الطيب إن تهنئة المسيحيين بأعيادهم «فهم للدين»، وأكد الشيخ دون لبس أو تأويل أن «الإسلام هو دين الرحمة، والمسيحية هى دين المحبة». وفى رسالة فلسفية، تعكس العلم والفهم العميق لصحيح الدين، أكد شيخ الأزهر الشريف أنه لا توجد فى القرآن أديان مختلفة، لكن توجد رسائل إلهية تعبر عن الدين الإلهى الواحد، لافتاً إلى أن هناك وحدة تربط نبى الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- بغيره من الأنبياء، وهى الأخوَّة، مستشهداً بقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «أنا أولى الناسِ بِعِيسَى ابنِ مريمَ فى الدنيا والآخرةِ، ليس بَيْنِى وبينَهُ نَبِيٌّ، والأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى، ودِينُهُمْ واحِدٌ». وأكد شيخ الأزهر الشريف أن هذه الآراء تُدرس فى مناهج الأزهر، ويدرسها طلاب الفقه بجامعة الأزهر والمرحلة الثانوية. وهنا مربط الفرس فى الدراسة والعلم والتأهيل، ثم الفهم والتدبر وإعمال العقل والتفكير.

 مرصد الأزهر أيضاً أشار إلى أنه: قد لوحظ من الصدى الذى أحدثته تهنئة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب، التى وجهها للبابا فرنسيس، والبابا تاوضروس، وقادة ورؤساء الكنائس، والمنشورة عبر صفحة فضيلته على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» تباين ردود الأفعال حولها، ففى مقابل 30 ألف تفاعل بالإيجاب على التهنئة جاء أكثر من 16 ألف تفاعل غاضب وساخر من الرافضين لفكرة تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد، انطلاقًا من الجهل بتعاليم الدين والمفاهيم المغلوطة التى روج لها البعض حول تعارض ذلك مع العقيدة الإسلامية، فى إذكاء واضح لنبرات العنف والكراهية ضد الآخر المخالف فى الدين، وهو تفاعل يدل عن فهم خاطئ لنصوص الدين ويقود إلى تهديد السلم العام وازدراء الأديان، ما يترتب عليه عقوبة قانونية ومخالفة دينية».

الأسوأ من الذباب الإلكترونى؛ الجيل الجديد من «الدعاة المحدثون» -وهم ليسوا بدعاةـ أو ما يمكن أن نطلق عليهم دعاة الـ«TikTok» نسبة إلى برنامج التواصل الشهير، ويمكن أيضاً أن نطلق عليهم دعاة «التوك توك»، متابعوهم بالآلاف وأحيانا بالملايين. لا نعرف ماذا قرأ هؤلاء؟!! وما الذى أهلهم لمهام الدعوة؟

مصر عرفت ظاهرة دعاة الكاسيت فى الثمانينيات ومطلع التسعينيات، ثم دعاة الفضائيات فى حقبة الألفية، وكلها كانت تنطوى على فكر متطرف، ودعوات صريحة للجهل والرجعية، هذه الظواهر كانت سببًا مباشراً لاغتيال الأديب والمفكر فرج فودة، ومحاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ، يوسف السباعى، وغيرهم من رموز الفكر والأدب والسياسة فى رد فعل مباشر لتلك الدعوات الضالة المنطوية على جهل واضح وصريح بالدين الحنيف، وفى جانب آخر كانت تلك الظواهر أبرز الأدوات التى عملت على استغلالها المحظورة وغيرها من جماعات الظلام فى ضرب وحدة الوطن واستقراره حتى وقت قريب.

يكفى للتدليل على ذلك أن الإرهابى أبو العلا عبد ربه، قال إنه اغتال المفكر فرج فودة بزعم «الاقتصاص لدين لله تعالى، لأن فرج فودة مرتد وقد أفتى العلماء بذلك وقتله حكم شرعى صحيح» وفقا لتفكيره المتطرف. وهو الذى لم يقرأ كتابا واحدا لفرج فودة!! لكن كانت فتاوى الدعاة. الجدير بالذكر أن عبد ربه حصل على عفو رئاسى من قبل المحظورة عام 2012.

الكاتب الصحفى، ووزير الثقافة الأسبق حلمى النمنم، فى دراسته المعتبرة حول التنوير والدين، طرح سؤالاً مُهِمًا فى هذا السياق، حيث تساءل، هل ذلك الفريق من خصوم التنوير يتحركون -فعلاً- من الغيرة على الدين وعلى الأخلاق والقيم أم أن عجزهم عن فهم معنى التنوير يدفعهم إلى ذلك الخلط وإطلاق أحكام دون بينة أو إثبات وبرهان؟ تلك هى المشكلة بالفعل؛ مشكلة الجهل الذى ينتج عنه سوء فهم، فيحدث الإضلال والتضليل، ومن ثم التطرف فكراً وسلوكاً.

الآن وفى ظل التصاعد الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعى، والتى يجب الإقرار بخروجها عن نطاق السيطرة، يجب الانتباه لما تفرزه من فكر متطرف تعيد إنتاجه فى قوالب وأشكال جديدة، تتسق وواقع ومفردات العصر، ما يعنى ضرورة المواجهة بأفكار جديدة أيضاً. والبداية فى مراجعة الظواهر الصوتية التى تعتلى المنابر كل جمعة، ثم من يطلون علينا عبر الشاشات.