رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خلال الأيام السابقة تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو التقطه أحد الأشخاص بهاتفه المحمول لشاب وفتاة يأتيان فعلا فاضحا أعلى كوبرى فى الطريق العام بوضح النهار، وقد يتفق أغلبنا من واقع الأعراف والتقاليد المجتمعية الخاصة بنا، على أن ما حدث أو ما ظهر على وجه الدقة ينتسب إلى الأفعال المنافية للآداب ومخالف لقيم وعادات وتقاليد المجتمع المصري، خصوصًا مع هذه الجرأة وفعل ذلك فى وضح النهار أعلى أحد الكبارى دون أى خوف أو خجل من المارة أو السيارات، ولا تقوم جريمة الفعل الفاضح العلنى إلا بتوافر ثلاثة أركان: فعل مادى يخدش حياء المرء «حياء العين أو الأذن»، والعلانية «يشترط مشاهدة الغير للفعل»، والقصد الجنائى «تعمد الجانى إتيان الفعل الفاضح».

ورغم اتفاق كثيرين على توصيف الواقعة بالفعل الفاضح والمنافى للأخلاق المجتمعية، لكن لم ينتبه كثيرون إلى أن هناك فعلا موازيا لا يقل فى جرمه بل ربما يتجاوز فى التقييم الأخلاقى الواقعة ذاتها، وهى انتهاك خصوصية الناس أو مراقبة الناس والتجسس عليهم ويأتى فى سياقها المتابعة والتنصت على الآخرين، ولعلنا نفكر فى أمر الواقعة إذا لم تكن تم تصويرها بالفيديو ونقلها على صفحة ما ثم تداولها، لم تكن بالطبع لتلقى هذا الانتشار الواسع جدا ويشاهدها الجميع، وكانت ستظل مرهونة بوقتها ومكانها لكل من شاهدها مصادفة، غير أن الفضول والجرأة فى الانتهاك جعلت هذا الشخص يقدم على التصوير لا بقصد رفض الفعل وإنما بقصد عمل نوع من النشر والمتابعة والدافع الرئيسى دائما الفضول والانتهاك.

ولقد اهتم الدين بحق الإنسان فى الخصوصية، جاعلا الأصل الشرعى لحرمة الحياة الخاصة قائما على تحريم التجسس وسوء الظن والغيبة بشكل عام، وقد نهى الإسلام عن سوء الظن والتجسس المحرم شرعًا، ويقول تعالى «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا»، كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا) أى أن الشريعة تنهى قولًا واحدًا تتبع عورات الناس وكشفها وإطلاع الغير عليها، وكذا يعاقب القانون كل من أقدم على انتهاك خصوصية الآخرين، حيث إن ناشر الفيديو قد خالف البند الخامس من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2730 لسنة 2022 والذى ينص على حظر تصوير أو نشر المشاهد المسيئة للبلاد أو المواطنين المخلين بالآداب العامة، أو تصوير الأطفال أو تصوير ونشر صور المواطنين، دون موافقة كتابية منهم.

رغم تطور المجتمعات واتجاهها للرقى لماذا يظل البعض متوقفا عند نقطة التخلف والرجعية وعدم الفهم، بأن لكل إنسان فى الحياة خصوصية، والتى تُعرف اصطلاحًا بأنّها الحق الذى يملكه الإنسان فى المحافظة على سرية معلوماته وعلاقاته الشخصية، ولماذا يستهين كثيرون بخصوصية الآخرين كما لو أنها شيء من حقهم دون الرجوع لصاحب الشأن؟ حتى أن هذا الأمر يندرج فى الفهم الخاطئ لأصول التربية وغالبا هو ما يؤدى إلى نتيجة وجود أجيال لا تعى هذا المفهوم، إذ إن بعض الأسر لا تحترم خصوصية أبنائها بالتدخل بطريقة فجة فى شئونهم، نعم من حق الوالدين الخوف على الأبناء ومتابعتهم لكن ذلك يكون بمنح الثقة ومصادقتهم والاعتداد بهم كأشخاص لهم كياناتهم، ما يدفع الأبناء إلى تحرى الأخلاق الكريمة والسلوك القويم فى تعاملاتهم حتى إذا كانوا بعيدين عن أسرهم، ذلك لإحساسهم بالمسئولية تجاه ذويهم الذين منحوهم الثقة فأحبوا أن يكونوا جديرين بها، أما هذا التدخل الفج والمراقبة والشك غالبا ما تنتج أجيالًا غير سوية تعتقد فيما بعد أن انتهاك الخصوصية حق مكتسب فيمارسونه دون أى وازع من ضمير... فانتبهوا.