حكاوى
قرأت مؤخرًا كتابًا مهمًا صادرًا عن المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، وقدم له الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف. هذا الكتاب بعنوان العملات الافتراضية المشفرة، ويركز الكتاب كما يقول وزير الاوقاف على ان النقود هى تلك التى تصدرها الدول وتضمن قيمتها، أما العملات الافتراضية المشفرة فيصدرها مبرمجون محترفون دون الحصول على ترخيص معتبر أو ضمانات كافية. ويؤكد أيضًا ان اصدار النقود هى مسئولية الدول وليس الأفراد ولا الجماعات ولا الأحزاب ولا القبائل ولا أى أحد آخر، بحيث تكون الدولة هى الضامن لقيمة النقد المصدر عنها، كما يبين ان الغرض الرئيسى من اصدار النقود الاستجابة لحاجة الدولة وتحقيق مصلحتها لا لجنى الأرباح من اصدارها أو الاتجار فيها.
وينتهى الدكتور مختار جمعة إلى ان العملات الافتراضية المشفرة بوضعها الراهن لا يجوز التعامل بها، لكثرة الغرر وحدة المخاطرة فضلا عن جهالة المصدر وجهالة المتعاملين والتقلب الشديد والسريع فى قيمتها، وما يشوبها من مخاطر على الأمن الاقتصادى والاجتماعى والأمن العام للدول والشعوب.
ويواصل الدكتور محمد مختار جمعة فى تقديمه لهذا الكتاب المهم، قائلاً: إن المال والاقتصاد عصب الحياة وقوامها، ولا شك ان وجود اقتصاد قوى مستقر يمكن الدول من الوفاء بالتزاماتها المحلية والدولية، ومن توفير حياة كريمة لمواطنيها، ويسهم فى استقرارها وتحقيق أمنها وامالها.. فجيش قوى واقتصاد قوى يعنى دولة ذات شأن ومواطنا ذا كرامة. والمعروف أيضًا ان كل الاقتصادات تقوم على أسس من أهمها زيادة الانتاج وترشيد الاستهلاك، وهو ما أشار إليه النص القرآنى فى قصة سيدنا يوسف عليه السلام "قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله الا قليلاً مما تأكلون ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلًا مما تحصنون. ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون".
فى هذا الكتاب نجد نخبة مختارة من بحوث ثرية تناولت هذه العملات مع نسبة كل بحث منها إلى كاتبه. فالبحث البحث الأول بعنوان الاجتهاد فى المجال الاقتصادى بقلم الدكتور مصطفى عرجاوى، أستاذ القانون بكلية الشريعة جامعه الأزهر. والبحث الثانى بعنوان العملات الافتراضية المشفرة فى ميزان الحكم الشرعى بقلم الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز أمين المجلس الأسلامى العالمى للدعوة والاغاثة فى السعودية، والبحث الثالث بعنوان التعامل بالعملات الافتراضية بقلم الدكتور عثمان أحمد عثمان أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالى للدراسات الاسلامية، والبحث الرابع بعنوان الاجتهاد المؤسسى.. العملات الافتراضية والمشفرة نموذجًا بقلم الدكتور مأمون جبر استاذ القانون، والبحث الخامس بعنوان الصكوك واثرها فى النمو الاقتصادى بقلم دكتور سالم محمد فريد أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة.
الحقيقة انه يعجبنى فى الدكتور مختار جمعة أنه وزير سياسى ليس منكفئا فقط على وزارته والدعوة، وإنما الرجل متفاعل مع كل الأحداث الخارجية وتأثيرها على الدولة المصرية وله فى ذلك العديد من الجولات والصولات وعلى رأس ذلك يكفيه ما قام به من منع صعود أى من المتطرفين على المنابر وله فى ذلك جهد مشكور وطويل جدًا، من خلال محاربة الفكر بالفكر والرأى بالرأى. يعنى خلاصة القول إنه استطاع بالفعل تطهير وزارة الأوقاف تطهيرًا كبيرًا احتاج منه إلى عدة سنوات، كما ان هذا الرجل له دور فعال فى مشاركة المواطنين والدولة فى أى احداث، وهذا ما نجده فى هذا الكتاب المهم الذى يتحدث عن العملات الافتراضية المشفرة وتأثيرها على الاقتصاد بالنسبة للدول وخاصة مصر، وكلنا يعلم المخاطر البشعة التى تعرض لها كثيرون بسبب هذه العملات الافتراضية. وجاء هذا الكتاب من خلال رؤية باحثين متخصصين فى علوم الاقتصاد وبتقديم الدكتور مختار جمعة،ليضيف للمكتبة العربية رؤية مهمة جدًا بشأن قضية عصرية.. صدر الكتاب عن المجلس الأعلى للشئون الاسلامية.