رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ليس متصورًا مع تجارب الحياة المتكررة ومواقفها فى السراء والضراء أن تمثل قضية «الرزق» هاجسًا مؤرقًا للإنسان، وهو الذى لم يكن شيئًا فى بداية الأمر، فخُلق من نطفة فعلقة فمضغة وصولا إلى هذه الهيئة التى فى أحسن تقويم، بغير حول منه ولا قوة، ومع ذلك يأتى وقت على الناس تكون فيه الحياة بها قسوة وشقاء وتحدٍ كبير يواجههم، فمنهم من يلجأ لله أن يعينه على تلك المصاعب ومنهم من يهتز إيمانه وتضعف عزيمته وثقته فييأس، بل ومنهم من يتجاوز ذلك إلى محاولات غير مشروعة لتعويض ما ظنه نقصًا فى رزقه وهو ليس كذلك، فيتجرأون على أكل الحرام، وعلى الحسد وتبرير الرشوة واستحلال الربا بل وإلى السرقة والقتل من أجل المال.

لكننا إذا تأملنا مسألة الرزق من منظور وجودى، وطالعنا تلك اليرقة الضعيفة وهذه الحشرة الدقيقة بين الصخور البعيدة عن الأعين، من أين لها بقوت يومها وزادها الذى يسهم فى نمائها وطيرانها من بعد أن تتلمس رزقها من الأرض والزهور والشجر والحجر، ولعل هذا المثال مجرد صورة من عشرات الآلاف من الصور التى تؤكد هذا اليقين بأن الرزق بيد الله وحده، ولا أحد فى هذا الكون مهما كانت سطوته وقدرته يمكن أن يوقف أو يتحكم فى رزق العباد، لأن جميعنا فى هذه الحياة مجرد أسباب، فلا يليق أن نرجو أحدًا أو نخشاه فى أمر أرزاقنا، انطلاقًا من إيماننا بالله، الذى قال فى محكم التنزيل بسورة هود «(وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ)، فإذا تأملنا كيف أن كلمة دابة لم تُعرف بـ«ال» التعريف أو بالإضافة، وإنما جاءت نكرة لتفيد الشمول، بمعنى كل شىء يدب على وجه الأرض إنسانًا كان أو حيوانًا فإن رزقه على الله وحده.

كما أن الرزق لا يرتبط بجنس أو لون أو انتماء أو دين، فالله سبحانه تكفل بالرزق للخلق جميعا، حتى من كان كافرًا به فقد ضمن الله له الرزق مثلما ضمنه لجميع المخلوقات الإنس والجن والطير والحيوان، حتى أنه سبحانه وتعالى جعله حقًا مثل حقيقة ما ننطق؛ إذ يقول تعالى فى سورة الذاريات «وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ»، ولا يظن شخص ما أن قوته البدنية أو الذهنية أو ذكاءه أو موهبته هى التى ترزقه، ولكنها فى حد ذاتها أمور تقع فى قائمة الرزق، فالصحة رزق والموهبة رزق والذكاء رزق والعمل رزق والزواج رزق والأبناء رزق والأمطار رزق، ولا سبيل لانتزاع رزق أو منحه، فالله هو المانح الأعظم، وعلينا فقط أن نأخذ بالأسباب، يقول تعالى فى سورة الملك: «هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور»، ومن هنا ليس على الإنسان سوى أن يسعى فى الأرض بالخير والتعب والعمل متوكلًا على الله وموقنا بأن رزقه بيد خالقه، إذ يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا)، وفى الأثر حين سُئل الحسن البصرى عن زهده فى الدنيا أجاب: «علمت أن رزقى لا يأخذه غيرى فاطمأن قلبى، وعلمت أن عملى لا يقوم به غيرى فاشتغلت به وحدى»، غير أن الرزق كذلك يحتاج إلى فهم التوكل وعدم جعله تواكلًا استنادًا إلى ما جاء، فالله سبحانه وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهناك أسباب لسعة الرزق كالسعى الدءوب والعمل والجد والاجتهاد مع التحلى بالصبر والمثابرة، وقد رأى الفاروق عمر أناسًا يسألون الناس فى الحج قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبةً فى الأرض، ثم توكل على الله.