رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على الرغم من تأخرها ثلاث سنواتٍ، حيث كان مقررًا لها أن تُعقد فى مارس 2020، فإن القمة العربية التى فرضت عليها الجائحة التأجيل، استطاعت فى دورتها رقم 31 بالجزائر أن تفرض مشهدها وحضورها بجدارة، خصوصًا أنها تأتى فى توقيتٍ بالغِ الدقة من حيث التحديات المحيطة من جميع الاتجاهات وعلى المستويات كافة، إذ تقود التحولات الدرامية قياد العالم فى طريق يبدو كأنه مجهول الملامح، سياسيا واقتصاديا وبالتالى اجتماعيا، فلا تزال تأثيرات كورونا يتردد صداها المؤلم فى العديد من دول العالم، ولم تزل الحرب الروسية الأوكرانية قائمة بتداعياتها التى خيمت على الكثير من الأنحاء فوق الأرض، بالإضافة إلى المشكلات والتحديات والأزمات القائمة والمَسيسة بوطننا العربى على اتساعه ما بين صراعات داخلية، ومواجهة محتل وتهديدات خارجية ومحاولات استقطاب وغيرها من الأزمات الملحة مثل الأوبئة عموماً وقضية تغير المناخ، التى باتت تشكل أرقا وهاجساً للعديد من مدن العالم المهددة بمخاطر تلك التغيرات.

وسط كل هذه الأجواء تأتى القمة العربية الحادية والثلاثون بعد آخر قمة عربية عادية كانت عقدت فى تونس 2019 بمشاركة 13 رئيساً، لتحمل هذه القمة عناوين كبرى أبرزها (لم الشمل)، ومشاهد مغايرة سواء لما كانت عليه فى الوقت القريب أو فى عقود سابقة شهدت الكثير من عدم التوافق، وكما يقال تُعرف معادن الرجال فى الشدائد، فإن الأزمات والتحديات الحالية كانت بمثابة هموم مشتركة لجسدٍ واحد إذا شكا فيه جزء تداعى له باقى الجسد بالسهر والحمى، وهى الإشارة المهمة من قبل الرئيس السيسى فى كلمته الكاشفة حين قال إن ما قد يؤلم أشقاءنا بالمغرب العربى سيمتد إلى مصر والمشرق العربى ودول الخليج، وأن عدم الاستقرار فى دول المشرق أو فلسطين إنما تمتد آثاره إلى المغرب العربى، وأن تهديد أمن الخليج هو تهديد لنا جميعاً، وهو تنبيه دال متعلق بما أكده عن أن هناك حاجة ماسة لمزيد من العمل العربى الجماعى حتى فى التعامل مع الأزمات الجديدة التى جاءت لاحقة على القضية الفلسطينية، فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان، وإلا سيظل أمن وسلم الشعوب الشقيقة فى تلك الدول مهددين بتجدد ويلات تلك الأزمات.

ومن هنا كان افتتاح القمة قويا ومبشرا بتوصيات شملت جميع ما يتعلق بأمور الوطن من المحيط إلى الخليج، فكانت القضية الفلسطينية فى قلب الحوار، باعتبارها القضية المركزية الأولى التى يجب مضاعفة الجهود لحشد المزيد من الدعم للفلسطينيين، والتمسك بمبادرة السلام العربية، وليشدد إعلان الجزائر على الدعم الكامل لدولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، داعيا الدول التى لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى الاعتراف بها، مع التأكيد على دعم الجهود والمساعى القانونية الفلسطينية الرامية إلى محاسبة الاحتلال الإسرائيلى على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى اقترفها ولا يزال فى حق الشعب الفلسطينى، كان حاضرا بتوافق كبير كذلك المشهد الليبى، إذ أكد الختامى للقمة على التضامن الكامل مع الشعب الليبى ودعم كل جهود إنهاء الأزمة الليبية من خلال حل يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويصون أمنها وأمن جوارها، وفى السياق البارز كذلك دعم الحكومة الشرعية اليمنية ومباركة تشكيل مجلس القيادة الرئاسى ودعم الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسى للأزمة وفق المرجعيات المعتمدة، لتأتى كلمة الرئيس السيسى شاملة ومحددة الأهداف ومتسقة مع الجهود المصرية الكبيرة حيال جميع الأزمات خلال الفترة السابقة، بالتأكيد على توحيد الجهود العربية وتماسك البنيان، والإيمان بوحدة الأهداف والمصير هى الأسباب الرئيسية والناجعة والفاعلة فى تسوية الأزمات العربية، والتعاطى مع التحديات الدولية، بالشكل الذى يترجم الاستغلال الأمثل للإمكانات والأدوات وتفعيل التعاون فى مسائل الأمن الجماعى، خصوصا فى ظل المشتركات الأساسية لبناء التكتلات القوية المتماسكة مثل الثقافة والأديان والتاريخ والوجهة السياسية، وهى فرصة كبيرة لتوحيد الرؤى وتجاوز اختلافات وجهات النظر. وهو الأمر الذى يترجمه انعقاد القمة، كدعوة لاستلهام روح القومية العربية، وتجديد عزيمة الصمود للحفاظ على الهُوية العربية، وتحرير الإرادة الوطنية، والدفاع عن حقوق شعوب الوطن وصون مقدراتها، وكعادته يقدم الرئيس الروشتة المضمونة لنجاح وتأثير المعطيات فى مواجهة أى تحدٍ، بتأكيده رغبة مصر الملحة والمستمرة فى تحقيق شراكة فعلية بين دول الوطن واستغلال هذا التشارك فى التاريخ واللغة والدم والمقدرات فى التطلع لمستقبل مغاير يعرف فيه العالم متعدد الأقطاب قوة وتأثير هذا الوطن وقدرته على الانطلاق من وقع اضطلاع كل دولة بمسئولياتها على النطاق الوطنى فى سياق أوسع من العمل الجماعى على تعزيز قدراتنا العربية سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، إذ إن تكامل القدرات المتباينة يضمن بناء منظومة صلبة قادرة على مواجهة التحديات والأزمات الدولية المستجدة بما فى ذلك أزمتى الطاقة والغذاء، وليس ذلك فقط لكن تحقيق هذه الرؤية فى الوقت الحالى الوطن فى أمس الحاجة لها كفرصة ذهبية بل لتوفير الحماية من الاستقطاب الدولى الآخذ فى التصاعد، والذى برزت تبعاته السلبية على التناول الدولى لأزمات المنطقة العربية، آن الأوان إذا لتبنى مقاربة مشتركة وشاملة تهدف لتعزيز القدرة الجماعية لدول الوطن مشتركة لتمثل طاقة وحدة تتكامل فيها القدرات والتى من شأنها مواجهة أعتى التحديات مهما بلغت، استنادا إلى قيم راسخة أولها مفهوم الوطن العربى الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم دور مؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، لعل هذا التصور المضيء فى اللحظة الراهنة يؤكد هذا الحرص المصرى على تخطى كل عقبات الماضى فى المنطقة والتصدى بتلقائية عبر تلك الأهداف التى هى فى المتناول لجميع الأزمات الداخلية أو الخارجية بما يحقق ويذيب الكثير من العقبات، ويسهم بشكل كبير فى حفظ السلم الاجتماعى وترسيخ ركائز الحكم الرشيد والمواطنة وحقوق الإنسان، ونبذ الطائفية والتعصب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام أية محاولات لدعمهم أو منحهم غطاءً سياسيًا، أو توظيفهم من قبل البعض لإنشاء مناطق نفوذ لها فى العالم العربى، وكذا وقف نزيف الدم العربى، وردع تدخلات القوى الخارجية، والحد من إهدار ثروات المنطقة فى غير مقاصدها الصحيحة، وبلورة تسويات نهائية للصراعات التى لن تحل بمعادلة صفرية يُقصى فيها طرف أو يُجار على حقوقه، ووحدة الصف العربى هى الضامن الأكبر لتحقيق جميع التطلعات لدى أبناء الوطن العربى، وليخرج إعلان الجزائر إلى الوجود بخطوط عريضة تحتاح إلى إرادة وإصرار للمضى قدماً فى تنفيذها كضرورة إطلاق حركية تفاعلية بين المؤسسات العربية الرسمية وفعاليات المجتمع المدنى بجميع أطيافه وقواه الحية، والتأكيد على ضرورة مشاركة الدول العربية فى صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة والالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادى العربى وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وتضافر الجهود لتعزيز القدرات العربية الجماعية فى مجال الاستجابة للتحديات المطروحة على الأمن الغذائى والصحى فى مجال الطاقة، وكذا مواجهة التغيرات المناخية، التى أصبحت واقعًا مفروضًا على العالم، ودعم مصر التى تستعد لاحتضان الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف فى الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، والتصدى بكل السبل لما يهدد الأمن المائى للدول العربية والتى تنذر كما أشار الرئيس بعواقب وخيمة إذا تم تجاهلها، لذا فمن الضرورى الاستمرار فى حث إثيوبيا على التحلى بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين للتوصل لاتفاق قانونى ملزم بشأن السد الإثيوبى، والأخذ بأى من الحلول الكثيرة التى طُرحت عبر العديد من جولات المفاوضات، والتى تؤمن مصالح الشعب الإثيوبى الاقتصادية الآن ومستقبلاً، وتصون حقوق الشعبين المصرى والسوداني.