رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أوراق مسافرة

دعنى أهنئك على ثباتك الانفعالى، لأنك حافظت على بقايا أعصابك المستفزة، وأنت تهز رأسك عشرات المرات رفضاً، وتمتم تكراراً وأنت تجز على أسنانك «شكراً، شكراً»، وتزيح أيديهم المتسخة، الممتدة لك بتلك السلع الرديئة الصنع، وهم يكادون يضعونها فى صدرك أو داخل عينك لتراهم، ولإحراجك أمام رفقتك، وإجبارك أن تشترى منهم، أو تدفع لهم حتى دون شراء، ولتشترى أنت «دماغك»، أهنئك لأنك احتملت رائحتهم الكريهة، وكأن هناك علاقة عشق بين الفقر أو التظاهر به والقذارة وعدم استخدام المياه للنظافة، أهنئك لأنك احتملت منظر ملابسهم الممزقة الملطخة عمداً بالأوساخ لإثارة الشفقة واستنزاف الجيوب، وتعاطفت زوراً مع عاهاتهم المصطنعة التى يتاجرون بها لابتزاز مشاعر زوار المكان، واستمعت بصبر تحسد عليه لقصص الخبل من هذا المجذوب أو المجاذيب الذين يرتعون فى المكان، ويحاصرون بالبخور والتعاويذ جلستك على المقهى أو المطعم.

أهنئك لأنك حاربت وأنت تطوف بالحسين وتتغلغل فى شارع المعز، والمنطقة الأثرية الرائعة– التى تجعلنى كالعاشق المتيم هوساً بها- حاربت بصبر ونبل أخلاق نادر الباعة المتمددين على الأرصفة، ومطاردة النساء المتشحات بالسواد وهن يعرضن عليك الحناء السوداء والحمراء ورسومات الوشوم، ولا فرق لديهن فى مطاردة رجل أو سيدة، وأنك هربت باعتذار لطيف من باعة الشاى الواقفين على الرصيف، الذى سيجعلك مظهره ومظهر الأكواب وغلاية الشاى تكره شربه باقى حياتك، وإنك قابلت بهدوء تحسد عليه نداءات أصحاب البازارات لك هم والعاملين معهم وإلحاحهم البشع وجريهم خلفك، أهنئك لأنك نجحت واشتريت شيئاً من بضاعتهم بضعف الثمن فقط، وليس بأربعة أو خمسة أضعاف، وذلك بعد فصال وجدال مرير وقسمات غليظة بالله منهم كذباً بأنهم خسروا كثيراً فى تلك البيعة لأجل عيونك يا مصرى، أهنئك لأنك اتفقت مع ضيفك الأجنبى أو العربى بأن يقف بعيداً عن البازار، وأن تنوب عنه فى شراء ما يريد، حتى لا تتم سرقته جهاراً نهاراً بأسعار مبالغ فيها أضعاف الأضعاف.

عزيزى المصرى، فى الواقع أنت لم تنجح تماماً فى اجتياز كل اختبارات الأعصاب هذه وأنت تزور منطقة الحسين، وتشتاق للصلاة بالمسجد العريق أو حتى التمتع بزيارته، فى الواقع أنت لم تستمتع أصلاً بهذه الزيارة، بعد كل ما مررت به أنت ومن برفقتك، وقد يكون الأمر انتهى بك إلى مشاجرة أو تلاسن وتبادل سباب مع أحد أو بعض هؤلاء المستفزين الذين «كفروا سيئات» جولتك السياحية، فى الواقع ستتنفس الصعداء حين تغادر المكان، وقد تقسم بينك وبين نفسك بعدم العودة مرة أخرى إلى هذه الفوضى السياحية القميئة، ولن أتطرق إلى زيارة الحسين فى رمضان أو المواسم والمناسبات الدينية، فمؤكد كلنا يعلم هذا الهرج والمرج والفوضى والتدافع وانتشار البلطجية، والمبالغة فى الأسعار، وسقوط السياح مصريين، عرباً، أجانب فى براثن كل تلك الغوغائية التى تهيمن على المكان.

تنازل عن زيارة الحسين وشارع المعز والآثار الفاطمية، واتجه إلى القرية الفرعونية، أنا شخصياً اعشقها منذ كنت طالبة، بصفة عامة أعشق أى نزهة نيلية وكذلك أغلب المصريين وكل السياح العرب والأجانب الذين يفدون لمصرنا الحبيبة، انتظر، لا تتسرع فى بهجتك بالنزهة النيلية وأنت تطالع نماذج لحياة القدماء المصريين يقوم بتمثيلها شباب وفتيات، عليك أولاً أن تدفع قسراً لزيارة نماذج المتاحف الصغيرة التى بالقرية، نعم تدفع قسراً وإجباراً، وشكراً لهم، سيتركون لك حرية تحسد عليها، إما إجبارك لتدفع لزيارة خمسة متاحف أو تسعة، لا، لا، ليس من حقك الرفض أبداً، عزيزى السائح نحن بلد ديمقراطى، ولكن ليس فى خياراتك السياحية، نحن نجبرك على أن تدفع فوق تذكرة الرحلة النيلية للقرية، نجبرك على الدفع لزيارة تلك المتاحف، ليكون سعر التذكرة الضعف أو أكثر، وإلا لن تطأ قدماك القرية ولن تلمح بعينك تماثيل الفراعين الجبس، و...للرحلات السياحية ببلدنا الجميل بقية.

[email protected]