رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

«إن مشاكلنا الآن تشبه بشكل عجيب مشاكل بحارة تعساء فى غواصة غارقة فى الأعماق، لا يمكن إنقاذها، ولكن يوجد فيها بعض علب النجاة، التى يمكن للبعض أن يطفو بها بأمان، كذلك الأرض التى تفيض بسكانها يمكن لنسبة قليلة فقط منهم أن تصل إلى الأرض المتبقية الصالحة للسكن، أعتقد أن هذا هو وضعنا الحالى، ولكن على الرغم من سوئه، فإنه يعطى الفرصة لنوعنا أن يبقى على قيد الحياة».. كانت تلك الكلمات للعالم البريطانى جيمس لوفلوك- ولد 26 يوليو 1919 وتوفى 26 يوليو 2022- فى كتابه «وجه غايا المتلاشى.. الإنذار الأخير»، وكانت تلك العبارة هى أفضل ما نبدأ به هذا المقال، ونحن نتحدث عن أزمة التغيرات المناخية للمرة الثانية، ونستعرض فيه نظرية «غايا»، وآراء هذا الفيلسوف البيئى الذى وصف بأنه نبى الموت أو العذاب «prophet of doom» لصدق تنبؤاته وآرائه الصادمة عن التغيرات المناخية.

- تتلخص نظرية غايا لـ«جيمس لوفلوك» بأن الأرض كائن حى واعٍ ذاتى التنظيم، يتكون من جميع أشكال الحياة التى يدمرها البشر، تلك النظرية التى تبناها وطرحها «لوفلوك» فى السبعينيات لاقت معارضة شديدة وقتها ولفترة طويلة، حتى أقر العلماء فى بداية القرن الحالى بصحتها، هذه النظرية هى القاعدة التى بنى عليها «لوفلوك» جميع آرائه، ومنها أن الأرض تحاول التخلص من الحمل البشرى الزائد عليها، كرد فعل طبيعى لما يحدث عليها، ويرى أن الأوبئة إحدى وسائل هذا التخلص.

- نظرة هذا الفيلسوف البيئى المتشائمة أو الواقعية الصادقة- كما تحدِّد أنت- تقول إنه مهما فعلنا، فمن غير المحتمل أن يتوقف التغير المناخى الخطير، على مستوى يجعل الحروب والمجاعات والكوارث السابقة كلها أحداثاً صغيرة بالنسبة لما سيحدث، وعلينا أن نعتبر أن الخيار الأفضل أن نترك الطبيعة تأخذ مجراها، لأن الحلول لم تعد مجدية سواء بمحاولة التخلص أو بتقليل الانبعاثات الملوثة للهواء، لأننا ببساطة نمثل المشكلة، فشهيق وزفير أكثر من 7 مليارات نسمة مع حيواناتهم الأليفة، يشكل نحو 23 فى المائة من الانبعاثات الملوثة للغلاف الجوى.

- أشار «لوفلوك» إلى فقدان الثقة بالقدرة على التنبؤ بمناخ 2050، حيث فشل علماء المناخ فى الستينيات فى التنبؤ بالتغيرات المناخية التى تحدث الآن، بل كانت غالبية هذه التنبؤات تتوقع حدوث العصر الجليدى أكثر من الاحترار العالمى، السبب الآخر لفقدان هذه الثقة لدى «لوفلوك» هو تقلص مساحة المحيط الشمالى المتجمد من 10 ملايين كم مربع فى 1980 إلى 4 ملايين كم مربع فى 2007، وإذا استمر الذوبان بهذا المعدل فسيكون القطب الشمالى المتجمد بلا جليد خلال 15 سنة، ما يزيد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل غير مسبوق، فى الوقت الذى يقول اتحاد علماء المناخ فى العالم «ipcc» إن هذا الذوبان غير محتمل قبل عام 2050.

- ويحذر «لوفلوك» من أن الخطر الذى يسببه الاحترار العالمى ليس فى المفاجآت غير المسبوقة، مثل العواصف والفيضانات أو حتى الحرارة التى لا تطاق، لكن الخطر يأتى من جفاف طويل ومستمر، فالموت يأتى من الجفاف، هل أنت مصدوم من كلام «لوفلوك»، لا داعى للصدمة الآن.. فلديه المزيد!!

- أشار «لوفلوك» إلى أن هناك مناطق فى العالم ستصبح ملاجئ آمنة للبقاء، حيث يسمح التغير المناخى هناك، بالنمو المستمر للغذاء، وتتركز هذه الملاجئ فى المناطق المعتدلة والقطبية، مثل كندا وسيبيريا وألاسكا وشمال أوروبا، إضافة إلى جزر مثل الجزر البريطانية ونيوزيلندا وتاسمانيا، وعدة جزر أصغر موزعة عبر المحيطات، ولن تكون بقية القارات قاحلة بالكامل، ستكون هناك واحات ومجارى أنهار ستظل تفيض بشكل جيد لنمو النباتات، وحتى هذه الملاجئ الآمنة لن تسلم من الكوارث.

- الأخطر فى كلام «لوفلوك» أنه شبَّه سكان هذه المناطق أو الملاجئ بركاب سفينة تحوَّلت لتأخذ لاجئين هربوا من الجفاف، وعليهم أن يقرروا عدد الذين يمكن أخذهم، بعيداً عن عملية سحب اليانصيب، وحدد «لوفلوك» العدد الذى يمكن أن تتحمله هذه الملاجئ وقت ذاك ما بين 10 و100 مليون نسمة، حسب ظروف وطبيعة هؤلاء الناجين.

- لم تكن آراء «لوفلوك» ونظريته خافية على أحد، ولم تكن سرية، لذلك من الطبيعى أن تجد من يخطط للنجاة والهروب الكبير إلى تلك المناطق الآمنة، إذا حدث انهيار مجتمعى عالمى بسبب الكوارث أياً كان نوعها- طبيعية أو نووية أو حتى مالية- بل نظن أيضاً أن هناك من قام بتحديد ساعة الصفر لهذا الهروب، وقبل أن تتهمنى بتبنى نظرية المؤامرة وسيطرتها على وجدانى، عليك أن تقرأ الفقرات القادمة قبل هذا الاتهام.

- فى يوليو 2021 نشرت صحيفة الجارديان دراسة تقول إنه فى حالة انهيار عالمى لأى سبب، فإن نيوزيلندا وأيسلندا والمملكة المتحدة وتسمانيا وأيرلندا هى الأماكن الأكثر ملاءمة للنجاة، وتم تصنيف هذه الدول وفقاً لقدرتها على زراعة الغذاء، وحماية حدودها من الهجرة غير المرغوب فيها، والحفاظ على شبكة كهربائية وبعض القدرة على التصنيع، وتوصلت تلك الدراسة إلى أن الجزر فى المناطق المعتدلة فى مقدمة هذه المناطق، كما أشار وألمح «لوفلوك» سابقاً، وأفادت التقارير- حسب ما جاء فى الجارديان- بأن «المليارديرات» يشترون أراضى للمخابئ فى نيوزيلندا استعداداً لنهاية العالم، ونشرت صحيفة «تايمز الأيرلندية Irish Times» هذه الدراسة تحت عنوان «أيرلندا واحدة من أفضل خمسة أماكن فى العالم للنجاة من الانهيار المجتمعى العالمى».

- وفى 15 فبراير 2018 نشرت الجارديان أيضاً، تقريراً طويلاً تحت عنوان: «لماذا يستعد مليارديرات وادى السيليكون لنهاية العالم فى نيوزيلندا؟» وضربت مثالاً بالملياردير «بيتر ثيل» أحد رواد الأعمال فى مجتمع مطورى ومنتجى التكنولوجيا فى العالم، أو كما يطلق عليه وادى السيليكون.

- نعود للعالم «لوفلوك» الذى يطمئننا بأن الجنس البشرى لن ينقرض بفعل هذه التغيرات المناخية!!.. فقد استطاع الإنسان أن يتجاوز 7 كوارث مناخية رئيسية فى المليون سنة السابقة، وأن هذا الأمل فى النجاة سيسمح لنا بفعل الأفضل بالنسبة لمناطق اللجوء التى ستنجو من أسوأ ظروف الحرارة والجفاف!!

- فى النهاية يجب أن نتعلم أنه لن ينقذنا أحد غيرنا، وعلينا أن نستعد للدفاع عن وجودنا بحشد الموارد العلمية والمادية لدراسة كل التأثيرات المناخية المحتملة وتأثيرها علينا وبأسرع وقت ممكن، فإذا حدثت- لا قدر الله- نكون جميعاً قادرين كشعوب عربية، وكدول خرجت من حسبان هذه الآراء أو تلك الدراسات على النجاة، ونستطيع كدول وشعوب بعيدة عن تلك المخابئ البقاء بإذن الله.. حفظ الله الجميع.

[email protected]