عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

لقد أصبح جليا ما تمثله المرحلة الثانوية كمرحلة دراسية مهمة فى حياة عدد كبير من الطلاب المجدين الذين يجنون بعدها ثمرة جدهم وجهدهم الذى بذلوه فى مرحلتين سابقتين الابتدائية والإعدادية ليلتحقوا وَفق قدراتهم وميولهم بالدراسة فى المجال الذى يناسب هذه القدرات، وفى الوقت ذاته يتناسب ومتطلبات سوق العمل أو المهام الحياتية بالمجالات المختلفة التى تتطلع الدول عبر شبابها إلى إثبات وجودها فيها.

وعلى الرغم مما يراه المصريون فى هذه الشهادة بأنها بمثابة المفتاح للمستقبل، والحرص على حصول أبنائهم على درجات مرتفعة تؤهلهم لارتياد هذا المستقبل من منطقة التفوق وبالرغم مما بذلته الدولة على مدار السنوات الماضية من خطوات جادة فى المنظومة التعليمية ككل وتطبيق سياسة تعليمية جديدة تهدف إلى التركيز على التعلم وإعداد الشخصية المتعلمة عبر ترسيخ قيم التفكير والابتكار والتحليل والبحث دون فكرة التلقين والمجموع، لتواكب هذه المنظومة توجهات الدولة فى سباقها مع الزمن لاكتمال النموذج التنموى الذى تسعى إليه على قدم وساق بحيث تكون جميع المجالات الحيوية ومنها التعليم فى صدارة المشهد وعلى مستوى متوازٍ من التحرك مع هذه المسيرة حتى لا تكون هناك فجوة أو خلل بها، وتضيع الجهود سُدى لتعويض هذا التأخر، فإنه رغم كل ذلك لا تزال الثانوية العامة تعانى أزمات مختلفة ومتكررة ونشهدها حتى الآن وقد برزت ملامحها فى الأحداث الأخيرة المتعلقة بنتيجة الطلاب فى هذه المرحلة، مثل استمرار الدروس الخصوصية ولجوء الطلاب إلى ما يسمى بالسناتر للدرجة التى طالب فيها بعض المتابعين للموقف التعليمى بشكل متهكم بإلغاء التعليم عن طريق المدارس طالما انتشرت ظاهرة السناتر واستمرت بهذه الصورة وتفشت الدروس الخصوصية لدرجة وصلنا فيها لأن نرى كليبات وفيديوهات مصورة لطلاب يمجدون فيها معلمى السناتر ويدعونهم بامبراطور الهندسة وغول الكيمياء وعبقرى الفلسفة وما إلى ذلك، وغيرها من أعمال مصورة لآخرين نفذوا لهم تشريفات استقبال كأنهم زعماء تاريخيون، وقد تسببت هذه السناتر فى تراجع دور المدرسة التربوى فى تربية الأجيال وبنائهم وتثقيفهم وتوجيههم بالشكل السليم، وقد هجر الطلاب المدارس للحصول على الدروس الخصوصية التى ترسخ فى الطلاب فكرة كيفية تجميع درجات فقط بعيدًا عن التربية وبناء وتشكيل وجدان الشباب.

ومن الظواهر السلبية كذلك التى لا تزال مستفحلة فى مجتمع الطلاب وذويهم ظاهرة الغش سواء الجماعى أو الفردى، وقد رصدت وزارة التعليم حالات متفرقة سواء بشكل مباشر أو من خلال بعض المواقع التى تتسرب إليها الامتحانات، ومن المؤسف أن يلجأ إليها كثير من الطلاب بل ويبعثون بآيات الشكر والتمجيد لأصحابها، ووفقًا للبيانات الرسمية فقد تم ضبط أقل من 90 حالة غش خلال 7 ملايين امتحان أى ما يعادل 1 من كل 100 ألف وفى بداية العام تداول مقطع يظهر مجموعة من الأهالى المتجمهرين حول مدرسة بإحدى المحافظات مهددين بضرب معلمة منعت أبناءهم من الغش، فضلا عن وجود مشاهد لأهالى طلاب فى مراحل دراسية اخرى ينادون على أبنائهم يالميكروفونات خارج اللجان يلقونونهم الإجابات، ومؤخرا بدأت وزارة التربية والتعليم تحقيقًا فيما أثير على مواقع التواصل الاجتماعى، بشأن احتمال حدوث وقائع غش عائلى فى بعض لجان امتحانات الثانوية العامة بعدد من مدن الصعيد بعد تداول قوائم تتضمن نتيجة طلبة ينتمون إلى عائلات معروفة حصلوا على درجات مرتفعة تجاوزت الـ90 فى المائة، وعلى الرغم مما أكدته الوزارة من أنها شكلت لجنة قانونية للتحقيق فيما وصفته بالادعاءات المتداولة، والتأكد من سير نظام الامتحانات فى تلك اللجان، وأنها ستتخذ الإجراءات القانونية الرادعة، حال ثبوت مخالفات للقانون من أى عنصر فى المنظومة التعليمية، أو من مروجى معلومات مغرض، غير أن مثل هذه الأخبار والوقائع تشير بقوة إلى أن هناك أزمة كبيرة فى هذا السياق، وترتبط بسياق فكرى عقيم لدى فئات غير قليلة فى المجتمع، لم تعِ بعد أن تحصيل النقاط بمثل هذه الصورة، لا يغنى أبدا عن التحصيل المعرفى فى بناء القدرات العلمية وتأهيل إمكاناتها لما يناسبها، الأمر الذى يتسبب معه ضياع مستقبل قد يكون واعدا بالنسبة لشاب يمتلك مؤهلات وميولا دراسية غير التى دُفع إليها بنظرة قاصرة لا تزال تردد ما يسمى بكليات القمة أو القاع، رغم أن التجربة أثبتت بوضوح أن تناسب التخصص مع المجال العملى يحقق نتائج مزدوجة التأثير الإيجابى من حيث إشباع الفرد لممارسة عمل قريب إلى نفسه ويرى ذاته متحققة فيه، والأمر الآخر استفادة المؤسسة التى يعمل بها من إضافاته التى يوجبها شغفه بمجاله، وقد أكد الدكتور العالم فاروق الباز هذه الرؤية من واقع تجربته وتأثره فى السابق بما يسمى بكليات القمة ورغبته فى الالتحاق بكلية الطب، غير أن مساره بعد ذلك فى العلوم جعل لدينا عالمًا كبيرًا أضاف لمجتمعه ووطنه ولذاته الكثير.

والنظام التعليم المصرى فى طور التغيير ولم يعد مبنيًا على التلقين الذى يعده البعض وسيلة للترقى الاجتماعى، فى حين أن التعليم فى جوهره وسيلة للمعرفة، بما يستوجب وجود إصلاح ثقافى كحل لمواجهة كثير مما يعانيه المجتمع، حتى يندمج طالب الثانوية العامة فى نظام التعلم والامتحانات الجديد التى تنظم طريقة التفكير، وتساعد الطالب على قياس القدرات العقلية وصولا إلى معرفة كتابة البحث العلمى فى الحياة الجامعية.

لا بد إذا أن تكون هناك ثقافة بديلة وفهم من قبل المجتمع للمتغيرات المحيطة والاندماج مع المفاهيم السليمة التى تؤسس لمنظومة متكاملة الأطراف فى العملية التعليمية ويتوقع منها نتائج طيبة وإيجابية فى دفع عجلة التنمية والتحضر.