رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مدير متحف الآثار- مكتبة الإسكندرية

«يومًا أو بعض يوم» اسم جميل ومثير وغريب وجديد ومختلف للغاية كى يتخذه الرمز الثقافى الكبير فى مصر والعالم العربى، والكاتب المسرحى المجدد، والصحفى القدير، والأديب العالمى الاستاذ محمد سلماوى عنوانًا لسيرته الذاتية، أو مذكراته، تحديدًا الجزء الأول من قصة حياته بمراحلها المختلفة، التى بدأت بميلاده فى عام 1945 ميلادية، ووصلت إلى عام اغتيال الرئيس المؤمن الراحل محمد أنور السادات فى عام 1981 ميلادية.

ويأتى هذا الاسم الدال والفارق، مثل مذكراته الجميلة تمامًا، من الآية القرآنية الكريمة رقم 113 فى سورة «المؤمنون»: «قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْم فَسْـألِ الْعَآدِّينَ» صدق الله العظيم. وكأن الكاتب يوحى إلينا بأن ما قضاه من سنوات عمره المديد، أطال الله لنا فى عمره، ما هو إلا يوم أو بعض يوم، وليس عمرًا أو سنوات طوالاً، كما يذكر كتَّاب السير الذاتية عادة عن حيواتهم.

وفى هذا العمل الأدبى البديع، يسرد لنا الأستاذ سلماوى، ليس سيرته هو فحسب، بل يحكى لنا قصة تاريخ وطننا الجميل، مصر، بكل التحولات الزمانية التى مر بها، وبكل التطورات السياسية والمجتمعية والثقافية التى مرت على مصر منذ العهد الملكى وما قبله، مرورًا بعهد الزعيم الخالد الرئيس جمال عبدالناصر، والذى يكن له صاحب السيرة كل الحب والتقدير والاحترام، على الرغم من أن بعض أفراد عائلته لم يؤيدوا ثورة 23 يوليو 1952 المجيدة؛ للضرر الذى لحق بهم بسببها، والتى نحتفل بمرور سبعين عامًا عليها هذا العام، وصولًا إلى عهد الرئيس المؤمن الراحل محمد أنور السادات، والذى اختلف معه كاتب السيرة الذاتية، والذى سُجن فى عهده ظلمًا فى أحداث 18 و19 يناير الشهيرة فى عام 1977، أو ما يعرف بـ«انتفاضة الجوع»، أو التى أطلق عليها الرئيس السادات «انتفاضة الحرامية»، على الرغم من صلات الكاتب العائلية الوثيقة ببعض أفراد النظام الساداتى.

يمتاز الأسلوب الممتع للكاتب الكبير بالجمال الأدبى وبالرشاقة فى العبارات وفى اختيار الكلمات وفى تقديم الشخصيات بشكل مدهش وربط الأحداث ببعضها البعض، والتقديم لها، والتعقيب عليها حين تقتضى الضرورة، وكأننا نقرأ رواية، ولا نريد لها أن تنتهى. وكذلك زين العمل ببعض الأشعار والأغانى الجميلة التى أعادتنا إلى الزمن الجميل. ولم ينس كاتبنا الكبير طبيعة عمله الصحفى، فقام بتوثيق العديد مما جاء فى الكتاب بصور أو وثائق من أرشيفه الشخصى والعائلى، أو من غيره، والتى كانت مرتبطة بهذا الحدث أو ذاك أو هذه الشخصية أو تلك.

واحتلت العائلة مكانًا كبيرًا فى سيرة كاتبنا الكبير. ومن خلال ما حكاه، نتعِرف إلى زمن جميل قد ذهب إلى غير رجعة، ونندم على ماضٍ لم نعِشه، ونصبو إلى عالم فارق تسرب من بين أيدينا. ويعد هذا العمل فى حد ذاته متتالية روائية بديعة، تربط بين ماضى وحاضر الكاتب، وترنو إلى مستقبله، وتخبرنا بخفايا حياته، ولحظات فرحه وحزنه، وتكوين أسرته الكبيرة، وتأسيس أسرته الصغيرة. وتحفل المذكرات بالكثير من اللحظات التى تبعث على الضحك من خلال الحس الكوميدى الأصيل للكاتب الكبير على الرغم من بعض الظروف الصعبة التى مرت بها حياته، خصوصًا بسبب نشاطه السياسى.

ومن بين أمتع ما جاء فى هذه السيرة الذاتية الفارقة لحظات تبدل مصائر الكاتب من العمل بالجامعة إلى الصحافة، وتجربة دخوله السجن، وتاريخ الصحافة فى مصر وتحولات وتوجهات الدولة نحو الصحافة وبعض الصحفيين، ورحلات الأستاذ سلماوى الخارجية.

ويبقى الإصرار على النجاح، وعشق الأدب، وحب الكتابة والصحافة، ومساعدة الآخرين بكل ما أوتى من قوة من الصفات المفتاحية لفهم شخصية الأستاذ محمد سلماوى الفريدة والمتعددة الأبعاد الثقافية والمعرفية، غير أن أهم ما يميز هذا الكاتب الكبير فوق هذا وذاك هو إنسانيته المفرطة، وحسه الجمالى بالأشياء، وسعيه الدؤوب نحو الوصول إلى القمة فى كل الأشياء المفيدة.

إن «يومًا أو بعض يوم» للأستاذ محمد سلماوى هو وثيقة حية على مصر وتاريخها وتحولاتها على كل المستويات فى ما يقرب من نصف قرن من الأحداث الحية والتاريخ الحافل والتفاعل الوثيق بين الكاتب وعائلته ومجتمعه وبلده وعالمه المثير الملىء بكل ما هو خير وحق وجمال.

فتحية حب وتقدير واحترام للأستاذ محمد سلماوى على هذه السيرة الذاتية المدهشة.

[email protected]