عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تجلية (11)

مع تجليةٍ ثقافيةٍ جديدةٍ من تجلياتِ القاهرةِ الثقافيةِ فى استقبالِ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} {البقرة: 185}، ولهذا الشهر منزلةٌ خاصَّةٌ عند المسلمين، وهو شهر أُمِرَ فيه المسلمُ بأن يمتنعَ -من طلوع الفجر إلى غروب الشمس- عمَّا أُحلَّ له فى غيرِه من سائرِ العامِ، وإذا تدرَّبَ المسلمُ على أن يَمتنعَ عنِ الحلالِ أيامَ رمضانَ ربَّى هذا فى نفسِهِ القدرةَ على التحكُّم فى رغباتهِ وشهواتِه والسيطرة عليها، وكان امتناعُه عمَّا حُرّمَ عليه مِن بابِ أوْلَى.

وليس الأمرُ فى هذا الشهر الكريم مقصورًا على هذا فقط، بل فى هذا الشهر يتدرّبُ المسلمُ أيضًا على العطاء؛ إذ رمضانُ شهر الجود، وكيف لا يجودُ على المحتاجين مَن ذاق الجوعَ والعطشَ؟! ورسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم كان أجودَ الناس، وكانَ أجود ما يكونُ فى رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ، وكانَ يلقاهُ فى كلِّ ليلةٍ فيُدارسُه القرآنَ، فَلَرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخيرِ من الرِّيحِ المرسلةِ. {حديث متفق عليه}، والريحُ يُرسلُها اللهُ لتكونَ سببًا فى نزولِ الغَيْثِ (المطرِ)، والغيثُ يَعمُّ نفعُه المسلمَ وغيرَه، والفقيرَ وغيرَه، وكذلك جودُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنَّه صلى الله عليه وسلم يُبيّنُ أنه ينبغى للمسلم أن يضاعفَ أعمالَ الخيرِ فى الأزمنة الفاضلة، وأنَّه ينبغى أن يُعينَ الطائعين على طاعاتهم، ولهذا حضَّ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم على تفطيرِ الصائمينَ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: «مَن فطَّرَ صائمًا كانَ له مثلُ أجرِه، غيرَ أنَّه لا ينقصُ مِن أجرِ الصائم شيئًا» {رواه: الترمذى وابن اماجه}.

وعلى المسلمِ أنْ يتجنبَ فى عطائِهِ مُراءاةَ الناسِ كما يتجنبُ المنَّ والأذَى، وقد بيّنَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ من السبعة الذين يُظلُّهم اللهُ يومَ القيامةِ رجلًا تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفقُ يمينُه.

ورمضانُ بهذا كلِّه وغيرِه زمانُ تنقيةٍ وترقيَةٍ، وهو مدارُ العام حتى قال بعض السلف: كانوا يَدعون الله ستةَ أشهرٍ أن يُبلغَهم شهرَ رمضانَ، ثمّ يَدعون اللهَ ستةَ أشهرٍ أنْ يتقبلَه منهُم.

ولِرمضانَ فى ثقافةِ المصريينَ منزلةٌ خاصَّةٌ تتبدَّى فى مظاهرِ احتفائِهم به، ومن هذا «موائدُ الرحمن»، وهى تسمية للموائد التى يفطر فيها الصائمون تعكسُ جانبًا إيمانيًّا هامًّا لدى المصريين، حيث يرون أن العطاءَ عطاءُ الله، وأنَّ الفضلَ فضلُ الله، وهذا تأثّرٌ بالأمرِ بإخفاءِ الصدقةِ السابقةِ الإشارَةُ إليه.

ومن جهةٍ أخرى تُبيّنُ هذه التسميةُ منزلةَ الرحمةِ عندَ المصريين وإدراكَهم لما فى هذا الشهر من خصوصية معنى الرحمة، وإذا كانت الرحمةُ خُلُقًا إنسانيًّا تُمليه الضمائرُ الإنسانيّةُ السليمةُ والأخلاقُ الراقية، فإنَّ حظَّ المسلمِ منها ينبغى أن يكونَ أعظمَ من غيرِه، خصوصًا فى هذا الشهرِ الفضيل؛ وذلك لأنَّ الله وصف نفسَه بالرحمن الرحيم، فيقول الله تعالى فى سورة الفاتحة: {الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ}، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم نبيُّ الرحمةِ، وهو فى نفسِهِ رحمةٌ؛ رحمةٌ عامّة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} {الأنبياء: 107}، ورحمةٌ خاصَّة {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} {التوبة: 128}، والرحمةُ أمرٌ دينيّ، بل إنّ العلماءَ مِن حَمَلةِ سُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم اعتادوا أن يكونَ أولَ ما يُحدثون به تلاميذَهم حديث «الراحمون يَرحمُهم الرحمن، ارحموا مَن فى الأرضِ يَرحمكم مَن فى السماءِ» {رواه: أبو داود والترمذي}، وهو ما يُسمَّى بالحديثِ المُسَلْسَلِ بالأَوَليَّةِ؛ يعنى أنه أولُ حديثٍ سمعه كلُّ راوٍ من شيخه فى سلسلةِ رُواتِهِ.

وهذه الرحمة تدعونا إلى التكاتفِ والتآزرِ لدفعِ ما يُهدّد أمنَنا الغذائيّ، أيًّا كان السبب فى هذا التهديد؛ تداعيات حرب أوكرانيا، أم جشع التجار، أم السلوكيات الشرائية لبعض المواطنين، خصوصًا وأن رمضان شهر يحثُّ المسلمَ على ترشيدِ الإنفاقِ والاستهلاك، وهو مأمور بهذا فى رمضان وفى غيره؛ حتى لا يكون أخًا للشيطان، يقول الله تعالى: {إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء:27) فكُلُّ فردٍ منّا مسئولٌ عمّا أعطاه اللهُ من نعمٍ، فعليه أن يُحسنَ استعمالَها فيما ينفعُ نفسَه وغيرَه من المخلوقات.

--

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق