عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

أمرنا ديننا الحنيف بحسن معاملة الناس جميعًا، وزاد من الوصية بالضعفاء، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» (صحيح البخارى)، فالضعيف قوى بالله، بنصرته ومعيته، حيث يقول الحق سبحانه فى الحديث القدسي: « ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ» (صحيح البخارى).

وقد أوصانا نبينا (صلى الله عليه وسلم) بالعمال والأجراء ومن يقومون بأعمال الخدمة أو الخدم، فقال (صلى الله عليه وسلم): «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ، ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فإنْ تكلَّفوهُمْ فأعِينُوهُمْ» (متفق عليه).

وعليك أن تتذكر أن الأيام دول، وأن غنى اليوم قد يكون فقير الغد وفقير اليوم قد يكون غنى الغد، حيث يقول الحق سبحانه : «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (آل عمران:140)، وأن من نعمة الله تعالى على بعض الناس أن جعلهم مخدومين فإن شكروا النعمة وحافظوا عليها بحسن معاملة من يخدمونهم والإحسان إليهم أدام الله عليهم نعمه وحفظها، حيث يقول الحق سبحانه: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ» (إبراهيم: 7)، فإن جحد الإنسان النعمة وتطاول واستعلى وتجبر على خلق الله فإنه سبحانه قادر أن يبدل الأحوال فيجعل الخادم مخدومًا والمخدوم خادمًا، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول للسيدة عائشة: «يَا عَائِشَةُ، أَحْسِنِى جِوَارَ نِعَمِ الله، فَإِنَّهَا قَلَّ مَا تَزُولُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِمْ» (المعجم الأوسط للطبرانى)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إِنَّ لله عِنْدَ أَقْوَامٍ نِعَمًا يُقِرُّهَا عِنْدَهُمْ مَا كَانُوا فِى حَوَائِجِ النَّاسِ، مَا لَمْ يَمَلُّوهُمْ فَإِذَا مَلَّوُهُمْ نَقَلَهَا مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَى غَيْرِهِمْ» (المعجم الأوسط للطبرانى).

وما أسرع تبديل الأحوال وتغير الزمن، حتى إن بعض العلماء والحكماء قد عدوا ذلك من علامات الساعة سرعة مر الزمان وكره وتبدل أحواله وجولاته، وقد ضرب لنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أنموذجًا إنسانيًا رائعًا فى معاملة من يخدمه، فيقول سيدنا أنس بن مالك (رضى الله عنه): خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِى لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ « (صحيح مسلم)، وذكر لنا (صلى الله عليه وسلم) قصة تحتاج إلى وقفة تأمل وتدبر فى معانيها وهى قصة أصحاب الغار، فعن عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ (رضيَ اللهُ عنهما) قَالَ: سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: «انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ. قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ: اللهمَّ كَانَ لِى أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلاً ولاَ مالاً، فَنَأَى بِى طَلَب الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً، فَلَبَثْتُ - والْقَدَحُ عَلَى يَدِى - أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما، اللهمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ. قَالَ الآخر: اللهمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ - وفى رواية: كُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ - فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فامْتَنَعَتْ منِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِى فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنى وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وفى رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا، قالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلاّ بِحَقِّهِ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِى أعْطَيتُها. اللهمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا, وَقَالَ الثَّالِثُ: اللهمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ تَرَكَ الَّذِى لَهُ وَذَهبَ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ، فَجَاءنِى بَعدَ حِينٍ، فَقالَ: يَا عبدَ اللهِ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِى، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ: مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ، فقالَ: يَا عبدَ اللهِ، لاَ تستهزئ بى! فَقُلْتُ: لاَ أسْتَهْزِئ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً. الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ» (مُتَّفَقٌ عليه).

ولنا فى قصة سيدنا موسى (عليه السلام) مع فتاه (يوشع بن نون) معتبرٌ.. حين خرجا طلبًا للقاء العبد الصالح، وأمر سيدنا موسى (عليه السلام) فتاه بأن يراقب حركة الحوت، غير أن الحوت قد انطلق من مكتله ونسى (يوشع بن نون) أن يخبر سيدنا موسى (عليه السلام) بقوله: « قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا» (الكهف: 63)، ولننظر هنا إلى رد فعل نبى الله موسى (عليه السلام) حين قال الله تعالى على لسانه: «قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا» (الكهف: 64)، ولم يعنفه ولم يزجره، وإنما خاطبه مخاطبة الأخ والصديق الحميم فى لطف ولين.

 

* * *