جمعت وجوه تشابه عديدة بين العملاقين الراحلين الفنان الكبير أحمد زكى والفنان الكبير العندليب عبدالحليم حافظ. كان أحمد زكى يشعر بأنه وحليم متشابهان فى كل شىء؛ فالفقر واليتم ورحلة الكفاح من أجل الصعود إلى القمة، والمرض، وجاء الموت فى أوج مراحل نجاحهما الفنى ليجمع بينهما فى كل شىء.
وكانت تأدية شخصية عبدالحليم حافظ الحلم الأكبر لدى أحمد زكى ليشاء القدر أن تكون هى الشخصية الأخيرة التى يجسدها العبقرى ويسدل الستار بعدها.
بدأ أحمد زكى إعداده لمشروع حليم، وأذكر يومها كنت أجلس معه أنا وزوجتى وأبنائى نتناول الغداء يوم الجمعة فى مطعم سويس إير بالجيزة.
ظل أحمد يحكى عن حليم وحيعمل إيه فى الفيلم، وبعد حليم عايز يعمل فيلم مع ماجدة الرومى، وبعدها يعمل فيلم الرئيس والمشير، ويجسد فى هذا الفيلم دور المشير عامر.. كنت أستمع لكلماته وأحلامه، وأنا أقول فى نفسى أتمنى أن يعيش ليرى تلك الأحلام، فللأسف مع الفرح يأتى الألم.
ففى نفس الوقت الذى بدأ فيه تصوير «حليم» أصابه مرض السرطان، هذا المرض لم يضعف من عزيمة أحمد زكى، ومضى قدمًا فى عمل هذا الفيلم الرائع الذى يعود الفضل فيه إلى أحمد وصديقى العزيز عماد الدين أديب، صديق أحمد الصدوق المخلص الوفى له، الذى كان كل همه أن ينتج لأحمد، ويحقق له حلمًا مهمًا فى حياته السينمائية.
وبدأ أحمد فى تصوير حليم، وبرع أحمد زكى فى تجسيد العديد من الشخصيات السياسية والأدبية، مثل طه حسين وجمال عبدالناصر والسادات، وقد تكلمنا عن هذه الشخصيات من قبل، وكيف كان يدخل فى الشخصية، ويذوب فيها لدرجة أنه أحيانًا لا يستطيع العودة لشخصيته الحقيقية خارج البلاتوه لتقمصه الشديد للشخصية.
ولذلك كان فيلم حليم تحديًا كبيرًا له؛ فالعندليب عبدالحليم حافظ شخصية فنية لها ثقلها ولتجسيدها يحتاج أى فنان أن يكون متمكنًا من كل أدواته، وبالطبع لم يوجد شخص يصل لدرجة أحمد زكى فى التشخيص.
واستطاع- رحمه الله- أن يؤدى معظم مشاهده فى الفيلم؛ فقد كان أحمد زكى- رحمه الله- قويًا ومؤمنًا بأنه سيقهر المرض، وفى تلك الأيام كان آملًا أنه سيعيش حتى يحقق كل أحلامه فقد كانت أحلامه ومشاريعه لا تقف؛ فهو دائم الحلم.
وكانت له أحلام فنية كثيرة، ومن ضمنها تأدية دور المشير عامر، وكلما رآنى أو رأى أبى - رحمه الله - فى المستشفى يقول يا أستاذ ممدوح، أخبار فيلم المشير عامر إيه؟ فيرد عليه والدى تقوم بالسلامة، ونبدأ التجهيز للفيلم. وجبتله بدلة المشير فى مستشفى دار الفؤاد، وعمل عليها بروفة رغم آلامه الشديدة، وأذكر أن طبيبه العظيم دكتور ياسر عبدالقادر قالى بلاش يا عمرو تخشله دلوقت، فرددت عليه وقلت له لما حيشوف بدلة المشير هيتحسن، وفعلًا دخلت الغرفة ورأيته فى قمة التعب، وما إن رأى البدلة فى يدى حتى قفز فجأه من السرير، وقالى حعمل عليها بروفة وبقدرة قادر تحول أحمد زكى إلى شخص آخر، وارتدى
بدلة المشير عامر، وبدا يقلده وسط دهشة من جميع الحاضرين، وقالى: الكم طويل سنة والبنطلون عايز يضيق، ووعدته إنى حبلغ الترزى علشان يظبطهاله، وتركته مودعًا على أمل جديد باللقاء.. لكن لم تمر سوى سويعات قليلة، وانتقل إلى جوار ربه.